فصل: 898- باب مَا جَاءَ في الإمَامِ العَادِل

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***


14- كتاب الأحكام

قال الحافظ في الفتح‏:‏ الأحكام جمع حكم والمراد بيان آدابه وشروطه وكذا الحاكم ويتناول لفظ الحاكم الخليفة والقاضي‏.‏ والحكم الشرعي عند الأصوليين خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير ومادة الحكم من الأحكام وهو الإتقان بالشيء ومنعه من العيب‏.‏

895- باب مَا جَاءَ عن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم في الْقَاضِي

1319- حدثنا مُحَمّدُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصنعاني حَدّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمانَ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ عَبْدَ الْمَلِكِ يُحَدّثُ عَنْ عَبْدِ الله بنِ مَوْهِبٍ أنّ عُثمانَ قَالَ لابْنِ عمَرَ‏:‏ اذْهَبْ فَاقْضِ بَيْنَ النّاسِ‏.‏ قَالَ‏:‏ أوَ تُعَافِينِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ‏:‏ فَمَا تَكْرَهُ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ كانَ أبُوكَ يَقْضِي‏؟‏ قَالَ‏:‏ إني سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ ‏"‏مَنْ كان قَاضِياً فَقَضَى بِالْعَدْلِ، فَبِالْحَرِيّ أنْ يَنْقَلِبَ مِنْهُ كَفَافاً‏"‏‏.‏ فَمَا أرْجُو بَعْدَ ذَلِكَ‏؟‏‏.‏

وفي الْحَدِيثِ قال قِصّةٌ‏.‏ وفي البابِ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ‏.‏

قال أبو عيسى حديثُ ابن عُمَرَ حديثٌ غَرِيبٌ‏.‏ وَلَيْسَ إسنّادُهُ عِنْدِي بِمُتّصِلٍ وَعَبْدُ الْمَلِكِ الذي رَوَى عَنْهُ الْمُعْتَمِرُ هَذَا، هُوَ عَبْدُ الْمَلِكِ بنُ أبي جَمِيلَةَ‏.‏

1320- حدثنا محمد بن اسماعيل حدثني الحسين بن بشر حدثنا شريك عن الأعمش عن سهل بن عبيرة عن ابن بريدة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ القضاة ثلاثة قاضيان في النار وقاض في الجنة‏.‏ رجل قضى بغير الحق معلم ذاك فذاك في النار وقاض لا يعلم فأهلك حقوق الناس فهو في النار وقاضٍ قضى الحق فذلك في الجنّة‏.‏

1321- حدثنا هَنّادٌ‏.‏ حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إسْرَائِيلَ، عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى، عَنْ بِلاَلِ بنِ أبي مُوسَى، عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، قال قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ سَأَلَ الْقَضَاءَ، وُكِلَ إلى نَفْسِهِ، وَمَنْ أجْبِرَ عَلَيْهِ، يَنْزِلُ الله علَيْهِ مَلكاً فَيُسَدّدُهُ‏"‏‏.‏

1322- حدّثنَا عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ أخبرنا يَحْيَى بنُ حَمّادٍ عن أبي عَوانَةَ، عَنْ عَبْدِ الأعْلَى الثّعْلَبِيّ، عَنْ بِلاَلِ بنِ مِرْدَاسٍ الْفَزَارِيّ عَنْ خَيْثَمَةَ وَ ‏(‏هُوَ البَصْرِيّ‏)‏ عنْ أَنَس، عَنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏"‏مَنْ ابْتَغَى الْقَضَاءَ، وَسَأَلَ فِيهِ شُفَعَاءَ، وُكِلَ إلَى نَفْسِهِ‏.‏ وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ، أَنْزَلَ الله عَلَيْهِ مَلَكاً يُسَدّدُهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ، وَهُوَ أصَحّ مِنْ حَدِيثِ إسْرَائِيلَ عَنْ عَبْدِ الأعْلَى‏.‏

1323- حدثنا نصْرُ بنُ عَلِي الْجَهْضَميّ‏.‏ حدّثنَا الْفُضَيْلُ بنُ سُليْمانَ عَنْ عَمْرِو بنِ عَمْرو، عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيّ، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ وَلِيَ الْقَضَاءَ، أوْ جُعِلَ قَاضِياً بَيْنَ النّاسِ، فَقَدْ ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكّينٍ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ‏.‏ وَقَدْ رُوِيَ أيضاً مِنْ غَيْرِ هذَا الْوَجْهِ عنْ أبي هُرَيرَةَ عَنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فاقض بين الناس‏)‏ أي اقبل القضاء بينهم ‏(‏قال أو تعافيني‏)‏ بالواو يعد الهمزة والمعطوف عليه محذوف‏.‏ أي اترحم علي وتعافيني ‏(‏من ذلك‏)‏ أي القضاء ‏(‏فبالحرى‏)‏ بكسر الراء وتشديد الياء قال في النهاية فلان حرى بكذا وحرى بكذا أو بالحرى أن يكون كذا أي جدير وخليق والمثقل يثني ويجمع ويؤنث تقول حريان وحريون وحرية والمخفف يقع على الواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث على حالة واحدة لأنه مصدر ‏(‏أن ينقلب منه كفافاً‏)‏ قال في النهاية في حديث عمر‏:‏ وددت أني سلمت من الخلافة كفافاً لا عليّ ولا ليّ‏.‏ الكفاف هو الذي لا يفضل عن الشيء ويكون بقدر الحاجة إليه وهو نصب على الحال وقيل أراد به مكفوفاً عنى شرها انتهى‏.‏ قال الطيبي‏:‏ يعني أن من تولى القضاء واجتهد في تحري الحق واستفرغ جحده فيه حقيق أن لا يثاب ولا يعاقب فإذا كان كذلك فأي فائدة في توليه وفي معناه أنشد- على أنثى راض بأن أحمل الهوى وأخلص منه لا عليّ ولا ليّ‏.‏ قال والحرى إن كان اسم فاعل يكون مبتدأ خبره أن ينقلب والباء زائدة نحو بحسبك درهم‏.‏ أي الخليق والجدير كونه منقلباً منه كفافاً وإن جعلته مصدراً فهو خبر والمبتدأ ما بعده والباء متعلق بمحذوف أي كونه منقلباً ثابت بالاستحقاق ‏(‏فما أرجو‏)‏ أي فأي شيء أرجو ‏(‏بعد ذلك‏)‏ أي بعد ما سمعت هذا الحديث‏.‏ وفي المشكاة فما راجعه بعد ذلك‏.‏ أي فما رد عثمان الكلام على ابن عمر ‏(‏وفي الحديث قصة‏)‏ في الترغيب عن عبد الله بن موهب أن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال لابن عمر‏:‏ إذهب فكن قاضياً قال أو تعفيني يا أمير المؤمنين‏؟‏ قال اذهب فاقض بين الناس‏.‏ قال تعفيني يا أمير المؤمنين‏؟‏‏.‏ قال‏:‏ عزمت عليك إلا ذهبت فقضيت‏.‏ قال‏:‏ لا تعجل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏"‏من عاذ بالله فقد عاد بمعاذ‏؟‏‏"‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ فإني أعوذ بالله أن أكون قاضياً‏.‏ قال‏:‏ وما يمنعك وقد كان أبوك يقضي‏؟‏ قال‏:‏ لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏من كان قاضياً فقضى بالجهل كان من أهل النار، ومن كان قاضيا فقضى بالجور كان من أهل النار، ومن كان قاضياً فقضى بحق أو بعدل سأل التفلت كفافاً فما أرجو منه بعد ذلك‏"‏‏.‏ رواه أبو يعلى وابن حبان في صحيحه وللترمذي باختصار عنهما، وقال حديث غريب وليس إسناده عندي بمتصل وهو كما قال فإن عبد الله بن موهب لم يسمع من عثمان رضي الله تعالى عنه انتهى ما في الترغيب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي هريرة‏)‏ له في هذا الباب أحاديث ذكرها المنذري في الترغيب‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث ابن عمر حديث غريب‏)‏ وأخرجه أبو يعلى وابن حبان في صحيحه مطولاً كما عرفت ‏(‏وليس إسناده عندي بمتصل‏)‏ فإن عبد الله بن موهب لم يسمع من عثمان رضي الله عنه كما عرفت في كلام المنذري ‏(‏وعبد الملك الذي روى عنه المعتمر هذا هو عبد الملك بن أبي جميلة‏)‏ قال في التقريب مجهول، وقال في تهذيب التهذيب ذكره ابن حبان في الثقات، روى له الترمذي حديثاً واحداً في القضاء، وله في صحيح ابن حبان آخر انتهى‏.‏

‏(‏وكل إلى نفسه‏)‏ بضم واو فكاف مخفقة مكسورة أي فوض إلى نفسه ولا يعان من الله ‏(‏ومن جبر‏)‏ بصيغة المجهول وفي بعض النسخ أجبر ‏(‏فيسدده‏)‏ أي يحمله على السداد والصواب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن بلال بن مرداس‏)‏ بكسر الميم وسكون الراء قال الحافظ‏:‏ ويقال ابن أبي موسى الفزاري مقبول من السابعة ‏(‏عن خيثمة‏)‏ هو ابن أبي خيثمة البصري أبو نصر لين الحديث من الرابعة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏من ابتغى‏)‏ أي طلب في نفسه ‏(‏ومن أكره‏)‏ أي أجبر‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وهو أصح من حديث إسرائيل عن عبد الأعلى‏)‏ أي حديث أبي عوانة عن عبد الأعلى بذكر خيثمة أصح من حديث إسرائيل عن عبد الأعلى بغير ذكر خيثمة قال الحافظ وطريق خيثمة أخرجه أبو داود الترمذي والحاكم انتهى‏.‏ ‏(‏من ولى القضاء‏)‏ بصيغة المجهول من التولية ‏(‏أو‏)‏ للشك من الراوي ‏(‏جعل قاضياً‏)‏ بصيغة المجهول أي جعله السلطان قاضياً ‏(‏فقد ذبح‏)‏ بصيغة المجهول ‏(‏بغير سكين‏)‏ قال ابن الصلاح‏:‏ المراد ذبح من حيث المعنى لأنه بين عذاب الدنيا إن رشد وبين عذاب الاَخرة إن فسد‏.‏ وقال الخطابي ومن تبعه إنما عدل عن الذبح بالسكين ليعلم أن المراد ما يخاف من هلاك دينه دون بدنه وهذا أحد الوجهين‏.‏ والثاني أن الذبح بالسكين فيه إراحة للمذبوح، وبغير السكين كالخنق وغيره يكون الألم فيه أكثر فذكر ليكون أبلغ في التحذير‏.‏ ومن الناس من فتن بمحبة القضاء فأخرجه عما يتبادر إليه الفهم من سياقه فقال‏:‏ إنما قال ذبح بغير سكين ليشير إلى الرفق به، ولو ذبح بالسكين لكان أشق عليه ولا يخفى فساد هذا كذا في التلخيص‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب من هذ الوجه‏)‏ وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والحاكم والبيهقي‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وله طرق، وأعله ابن الجوزي فقال هذا حديث لا يصح‏.‏ وليس كما قال وكفاه قوة تخريج النسائي له‏.‏ وذكر الدارقطني الخلاف فيه على سعيد المقبري قال‏:‏ والمحفوظ عن سعيد المقبري عن أبي هريرة انتهى‏.‏

896- باب مَا جَاءَ في الْقَاضِي يصِيبُ وَيخطئ

1324- حدثنا الحُسَيْنُ بنُ مَهْدِي، حدّثنا عَبْدُ الرّزّاقِ‏.‏ اخبرنا مَعْمَر، عَنْ سُفْيانَ الثّوْرِيّ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ، عَنْ أبي بَكْرٍ بنِ عَمْرِو بنِ حَزْمٍ، عَنْ أبي سَلَمَةَ، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ، قالَ‏:‏ قالَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ فَأَصَابَ، فَلَهُ أجْرَانِ‏.‏ وإذَا حَكَمَ فَأَخْطَأَ فلَهُ أجْرٌ وَاحِدٌ‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عَنْ عَمْرِو بنِ الْعَاصِ وَعُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ‏.‏

قال أبو عيسى حديثُ أبي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حسنٌ غريبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ‏.‏ لاَ نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ، عَنْ يَحْيى بنِ سَعِيدٍ، إلاّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدَ الرّزّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثّورِيّ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فاجتهد‏)‏ عطف على الشرط على تأويل أراد الحكم ‏(‏فأصاب‏)‏ عطف على فاجتهد أي وقع اجتهاده موافقاً لحكم الله ‏(‏فله أجران‏)‏ أي أجر الاجتهاد وأجر الإصابة والجملة جزاء الشرط ‏(‏فأخطأ فله أجر واحد‏)‏ قال الخطابي‏:‏ إنما يؤجر المخطئ على اجتهاده في طلب الحق لأن اجتهاده عبادة ولا يؤجر على الخطأ بل يوضع عنه الإثم وهذا فيمن كان جامعاً لاَلة الاجتهاد، عارفاً بالأصول، عالماً بوجوه القياس‏.‏ فأما من لم يكن محلاً للاجتهاد فهو متكلف ولا يعذر بالخطأ بل يخاف عليه الوزر‏.‏ ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏القضاء ثلاثة واحد في الجنة واثنان في النار‏"‏‏.‏ وهذا إنما هو في الفروع المحتملة للوجوه المختلفة دون الأصول التي هي أركان الشريعة وأمهات الأحكام التي لا تحتمل الوجوه ولا مدخل فيها للتأويل فإن من أخطأ فيها كان غير معذور في الخطأ وكان حكمه في ذلك مردوداً كذا في المرقاة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عمرو بن العاص‏)‏ أخرجه الشيخان ‏(‏وعقبة بن عامر‏)‏ أخرجه الحاكم والدارقطني‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث أبي هريرة حديث حسن غريب الخ‏)‏ وأخرجه الشيخان عن عبد الله ابن عمرو وأبي هريرة‏.‏

897- باب مَا جاءَ في القَاضي كيف يَقْضِي

1325- حدثنا هَنّادٌ‏.‏ حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أبي عَوْنٍ الثقفي عنِ الحَارِثِ بنِ عَمْرٍو، عَنْ رِجَالٍ مِنْ أصْحابِ مُعَاذٍ أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بَعَثَ مُعَاذاً إلى الْيَمَنِ فَقَالَ‏:‏ ‏"‏كَيْفَ تَقْضِي‏"‏‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ أقْضِي بِمَا في كِتَابِ الله‏.‏ قالَ‏:‏ ‏"‏فإن لمْ يَكُن فِي كِتَابِ الله‏"‏‏؟‏ قالَ‏:‏ فبِسُنّةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ قَالَ‏:‏ ‏"‏فإنْ لَمْ يكُنْ في سُنّةِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏‏"‏ قَالَ‏:‏ أجْتَهِدُ رَأْيِي‏.‏ قَالَ‏:‏ ‏"‏الْحَمْدُ لله الذِي وَفّقَ رسول رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏

1326- حَدّثَنَا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ‏.‏ حَدّثَنَا مُحَمّدُ بنُ جعفر وَ عَبْدُ الرّحمَنِ بنُ مَهْدِيَ قَالاَ‏:‏ حدّثنَا شُعْبَةُ عَنْ أبي عوْنٍ عَنْ الْحَارِثِ بنِ عَمْرو، ابْنِ أخٍ لِلْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنْ أنَاسٍ مِنْ أهْلِ حِمْص، عَنْ مُعَاذٍ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم نحوه‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَلَيْسَ إسْنَادُهُ عِنْدِي بِمُتّصِلٍ‏.‏ وَأَبُو عَوْنٍ الثَقَفِيّ، اسْمُهُ مُحَمّدُ بنُ عُبَيْدِ الله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي عون‏)‏ اسمه محمد بن عبيد الله الثقفي الكوفي ثقة من الرابعة ‏(‏عن الحارث بن عمرو‏)‏ هو ابن أخ للمغيرة بن شعبة الثقفي، ويقال ابن عون مجهول من السادسة كذا في التقريب‏.‏ وفي الميزان ما روي عن الحارث غير أبي عون وهو مجهول ‏(‏قال اجتهد رأيي‏)‏ قال ابن الأثير في النهاية الاجتهاد بذل الوسع في طلب الأمر وهو افتعال من الجهد الطاقة، والمراد به رد القضية التي تعرض للحاكم من طريق القياس إلى الكتاب والسنة، ولم يرد الرأي الذي يراه من قبل نفسه عن غير حمل على كتاب وسنة انتهى‏.‏ وقال الطيبي‏:‏ قوله اجتهد رأيي المبالغة قائمة في جوهر اللفظ وبناؤه للافتعال للاعتمال والسعي وبذل الوسع‏.‏ قال الراغب الجهد الطاقة والمثقة، والاجتهاد أخذ النفس ببذل الطاقة وتحمل المشقة‏.‏ يقال جهدت رأيي واجتهدت اتعبته بالفكر‏.‏ قال الخطابي لم يرد به الرأي الذي يسنح له من قبل نفسه أو يخطر بباله على غير أصل من كتاب وسنة، بل أراد رد القضية إلى معنى الكتاب والسنة من طريق القياس‏.‏ وفي هذا إثبات للحكم بالقياس كذا في المرقاة ‏(‏الحمدلله الذي وفق رسول رسول الله‏)‏ زاد في رواية أبي داود لما يرضي رسول الله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أناس من أهل حمص‏)‏ بكسر الحاء المهملة وسكون الميم كورة بالشام‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه‏)‏ وأخرجه أحمد وأبو داود والدارقطني‏.‏ قال الحافظ في التلخيص‏:‏ قال البخاري في تاريخه الحارث بن عمرو عن أصحاب معاذ وعنه أبو عون لا يصح ولا يعرف إلا بهذا وقال الدارقطني في العلل رواه شعبة عن أبي عون هكذا وأرسله ابن مهدي وجماعة عنه والمرسل أصح‏.‏ قال أبو داود أكثر ما كان يحدثنا شعبة عن أصحاب معاذ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ وقال مرة عن معاذ، وقال ابن حزم لا يصح لأن الحارث مجهول وشيوخه لا يعرفون، قال وادعى بعضهم فيه التواتر وهذا كذب بل هو ضد التواتر لأنه ما رواه أحد غير أبي عون عن الحارث‏.‏ فكيف يكون متواتراً‏؟‏ وقال عبد الحق لا يسند ولا يوجد من وجه صحيح‏.‏ وقال ابن الجوزي في العلل المتناهية لا يصح وإن كان الفقهاء كلهم يذكرونه في كتبهم ويعتمدون عليه وإن كان معناه صحيحاً‏.‏ وقال ابن طاهر في تصنيف له مفرد في الكلام على هذا الحديث‏:‏ اعلم أنني فحصت عن هذا الحديث في المسانيد الكبار والصغار وسألت عنه من لقيته من أهل العلم بالنقل فلم أجد له غير طريقين أحدهما طريق شعبة والأخرى عن محمد بن جابر عن أشعث بن أبي الشعثاء عن رجل من ثقيف عن معاذ وكلاهما لا يصح انتهى‏.‏ وقال الحافظ بن القيم في أعلام الموقعين‏:‏ بعد ذكر حديث معاذ رضي الله عنه هذا ما لفظه‏:‏ هذا حديث وإن كان عن غير مسمين فهم أصحاب معاذ فلا يضره ذلك لأنه يدل على شهرة الحديث، وأن الذي حدث به الحارث بن عمرو عن جماعة من أصحاب معاذ لا واحد منهم، وهذا أبلغ في الشهرة من أن يكون عن واحد منهم لو سمي كيف وشهرة أصحاب معاذ بالعلم والدين والفضل والصدق بالمحل الذي لا يخفى‏؟‏ ولا يعرف في أصحابه متهم ولا كذاب ولا مجروح بل أصحابه من أفاضل المسلمين وخيارهم لا يشك أهل العلم بالنقل في ذلك‏.‏ كيف وشعبة حامل لواء هذا الحديث، وقد قال بعض أئمة الحديث‏:‏ إذا رأيت شعبة في إسناد حديث فاشدد يديك به‏.‏ قال أبو بكر الخطيب‏:‏ وقد قيل إن عبادة بن نسي رواه عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ وهذا إسناد متصل ورجاله معروفون بالثقة على أن أهل العلم قد نقلوه واحتجوا به فوقفنا بذلك على صحته عندهم كما وقفنا على صحة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا وصية لوارث‏"‏‏.‏ وقوله في البحر‏:‏ هو الطهور ماؤه والحل ميتته‏.‏ وقوله‏:‏ إذا اختلف المتبايعان في الثمن والسلعة قائمة تحالفاً وتراد البيع‏.‏ وقوله‏:‏ الدية على العاقلة‏.‏ وإن كانت هذه الأحاديث لا تثبت من جهة الإسناد‏.‏‏.‏‏.‏ ولكن لما نقلها الكافة عن الكافة غنوا بصحتها عندهم عن طلب الإسناد لها‏.‏ فكذلك حديث معاذ لما احتجوا به جميعاً غنوا عن طلب الإسناد انتهى كلامه‏.‏ وقد جوز النبي صلى الله عليه وسلم للحاكم أن يجتهد رأيه وجعل له على خطئه في اجتهاد الرأي أجراً واحداً إذا كان قصده معرفة الحق وأتباعه‏.‏ وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهدون في النوازل ويقيسون بعض الأحكام على بعض ويعتبرون النظير بنظيره‏.‏ ثم بسط ابن القيم في ذكر اجتهادات الصحابة رضي الله عنهم قال‏:‏ وقد اجتهد الصحابة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم في كثير من الأحكام ولم يغنهم، كما أمرهم يوم الأحزاب أن يصلوا العصر في بني قريظة فاجتهد بعضهم وصلاها في الطريق وقال لم يرد منا التأخير وإنما أراد سرعة النهوض فنظروا إلى المعنى‏.‏ واجتهد آخرون وأخروها إلى بني قريظة فصلوها ليلاً نظروا إلى اللفظ‏.‏ وهؤلاء سلف أهل الظاهر وأولئك سلف أصحاب المعاني والقياس‏.‏ وقال في آخر كلامه‏:‏ قال المزنى‏:‏ الفقهاء من عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا وهلم جرا استعملوا المقاييس في الفقه في جميع الأحكام في أمر دينهم‏.‏ قال وأجمعوا بأن نظير الحق حق ونظير الباطل باطل فلا يجوز لأحد إنكار القياس لأنه التشبيه بالأمور والتمثيل عليها‏.‏ انتهى ما في الأحكام‏.‏ قلت الأمر كما قال ابن القيم لكن ما قال في تصحيح حديث الباب ففيه عندي كلام‏.‏

898- باب مَا جَاءَ في الإمَامِ العَادِل

1327- حدثنا عَلِيّ بنُ الْمُنْذِرِ الْكُوفِيّ‏.‏ حدّثنَا مُحَمّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ فُضَيْلٍ بن مَرْزوقٍ، عَنْ عَطِيّةَ، عَنْ أبي سَعِيدٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إنّ أَحَبّ النّاسِ إلى الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأذْناهُمْ مِنْهُ مَجْلِساً، إمَامٌ عَادِلٌ‏.‏ وَأَبْغَضَ النّاسِ إلى الله، وَأَبْعَدَهُمْ مِنْهُ مَجْلِساً إمَامٌ جَائِرٌ‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عَنْ عبدالله بنِ أبِي أوْفَى‏.‏

قال أبو عيسى حديثُ أبي سَعِيدٍ حَديثٌ حَسَنٌ، غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفِهُ إلاّ مِنْ هَذا الْوَجْهِ‏.‏

1328- حدثنا عَبْدُ الْقُدُوسِ بنِ مُحَمّد، أبُو بَكْرٍ الْعَطّارُ‏.‏ حدّثنَا عَمْرُو بنُ عَاصِمٍ‏.‏ حَدّثنَا عِمْرَان الْقُطّانُ عَنْ أبي إسْحَاقَ الشّيْبَانِيّ عَنْ عبدالله بن أبي أوْفَى، قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إنّ الله مَعَ الْقاضِي مَا لَمْ يَجُرْ‏.‏ فَإِذَا جَارَ تَخَلّى عَنْهُ وَلَزمَهُ الشّيْطَانُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ الْقَطّانِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عطية‏)‏ ابن سعد بن جنادة العوفي الجدلي أبي الحسن الكوفي ضعفه الثوري وهشيم وابن عدي وحسن له الترمذي أحاديث كذا في الخلاصة‏.‏ وقال في التقريب‏:‏ صدوق يخطئ كثيراً كان شيعياً مدلساً انتهى‏.‏ وقال في الميزان تابعي شهير ضعيف قال أبو حاتم يكتب حديثه ضعيف وقال ابن معين‏:‏ صالح وقال أحمد ضعيف الحديث، وقال النسائي وجماعة ضعيف انتهى مختصراً ‏(‏عن أبي سعيد‏)‏ الخدري رضي الله عنه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏إن أحب الناس‏)‏ أي أكثرهم محبوبية قاله القاري، وقال المناوي أي أسعدهم بمحبته ‏(‏وأدناهم‏)‏ أي أقربهم ‏(‏منه مجلساً‏)‏ أي مكانة ومرتبة قاله القاري، وقال المناوي أي أقربهم من محل كرامته وأرفعهم عنده منزلة ‏(‏إمام جائر‏)‏ أي ظالم قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن أبي أوفى‏)‏ أخرجه الترمذي في هذا الباب‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث أبي سعيد حديث حسن غريب‏)‏ في سنده عطية العوفي وقد عرفت حاله‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عمرو بن عاصم‏)‏ القيسي أبو عثمان البصري صدوق، في حفظه شيء، من صغار التاسعة ‏(‏حدثنا عمران القطان‏)‏ هو ابن داود بفتح الواو بعدها راء أبو العوام صدوق يهم ورمي برأي الخوارج من السابعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن ابن أبي أوفى‏)‏ هو عبد الله بن أبي أوفى واسم أبي أوفى علقمة بن قيس الأسلمي شهد الحديبية وخيبر وما بعدهما من المشاهد ولم يزل بالمدينة حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم ثم تحول إلى الكوفة وهو آخر من مات من الصحابة بالكوفة سنة سبع وثمانين‏.‏ ووهم القاري في شرح المشكاة فقال هو عبد الله بن أنيس الجهني الأنصاري‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏الله‏)‏ وفي بعض النسخ إن الله ‏(‏مع القاضي‏)‏ أي بالنصرة والإعانة ‏(‏ما لم يجر‏)‏ بضم الجيم أي ما لم يظلم ‏(‏تخلى عنه‏)‏ أي خذله وترك عونه ‏(‏ولزمه الشيطان‏)‏ لا ينفك عن إضلاله قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه الحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن الكبرى‏.‏ قال المناوي في شرح الجامع الصغير قال الحاكم صحيح وأقروه انتهى‏.‏ وفي الباب عن ابن مسعود مرفوعاً بلفظ‏:‏ إن الله مع القاضي ما لم يحف عمداً‏.‏ أخرجه الطبراني، قال المناوي ضعيف لضعف جعفر بن سليمان القاري انتهى‏.‏

899- باب ما جاءَ في الْقاضِي لا يَقْضِي بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ حتّى يَسْمعَ كَلاَمَهُمَا

1329- حدثنا هَنّاد‏.‏ حَدّثَنا حُسَيْنٌ الْجُعْفِيّ عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ سِمَاكِ بنِ حَرْبٍ، عَنْ حَنَشٍ، عَنْ عَلِي، قَالَ‏:‏ قالَ لي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إذَا تقَاضَى إلَيْكَ رَجُلاَنِ، فَلاَ تَقْضِ لِلأَوّلِ حَتى تَسمَعَ كَلاَمَ الاَخَرِ‏.‏ فَسَوْفَ تَدْرِي كَيْفَ تَقْضِي‏"‏‏.‏

قال عَلِيّ‏:‏ فَمَا زِلْتُ قَاضِياً بَعْدُ‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن حنش‏)‏ بفتح الحاء المهملة والنون الخفيفة هو ابن المعتمر الكناني الكوفي صاحب علي‏.‏ قال الحافظ صدوق له أوهام ‏(‏إذا تقاضى إليك رجلان‏)‏ أي ترافع إليك خصمان ‏(‏فلا تقض للأول‏)‏ أي من الخصمين وهو المدعي ‏(‏حتى تسمع كلام الاَخر‏)‏ قال الخطابي فيه دليل على أن الحاكم لا يقضي على غائب‏.‏ وذلك أنه صلى الله عليه وسلم إذا منعه من أن يقضي لأحد الخصمين وهما حاضران حتى يسمع كلام الاَخر ففي الغائب أولى بالمنع‏.‏ وذلك لإمكان أن يكون مع الغائب حجة تبطل دعوى الاَخر وتدحض حجته‏.‏ قال الأشرف‏:‏ لعل مراد الخطابي بهذا الغائب الغائب عن محل الحكم فحسب دون الغائب إلى مسافة القصر، فإن القضاء على الغائب إلى مسافة القصر جائز عند الشافعي كذا في المرقاة ‏(‏فسوف تدري كيف تقضي‏)‏ وفي رواية أبي داود فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء ‏(‏فما زلت قاضياً بعد‏)‏ أي بعد دعائه وتعليمه صلى الله عليه وسلم‏.‏ والحديث رواه الترمذي هكذا مختصراً، ورواه ابن ماجه هكذا‏:‏ بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقلت يا رسول الله بعثتني وأنا شاب أقضي بينهم ولا أدري ما القضاء‏؟‏ قال فضرب بيده في صدري ثم قال ‏"‏اللهم اهد قلبه وثبت لسانه‏"‏‏.‏ قال فما شككت بعد في قضاء بين اثنين‏.‏ ورواه أبو داود نحو ذلك‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه أبو داود وابن ماجه ونقل المنذري تحسين الترمذي وأقره‏.‏

900- باب مَا جَاءَ في إمَامِ الرّعِيّة

1330- حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ، حدّثنا إسْمَاعِيلُ بنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدّثَنِي عَلِيّ بنُ الْحَكَمِ، حدّثني أبُو الْحَسَنِ قَالَ‏:‏ قالَ عَمْرُو بْنِ مُرّةَ لِمُعَاوِيَةَ‏:‏ إنّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ ‏"‏مَا مِنْ إمَامٍ يُغْلِقُ بَابَهُ دُونَ ذَوي الْحَاجَةِ والخَلّةِ وَالمَسْكَنَةِ، إلاّ أغْلَقَ الله أبْوَابَ السّمَاءِ دُونَ خَلّتِهِ وَحَاجَتِهِ وَمَسْكَنَتِهِ‏.‏ فَجَعَلَ مُعَاوِيَةُ رَجُلاً عَلَى حَوَائجِ النّاسِ‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ‏.‏

قال أبو عيسى حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ مُرّةَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ وقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ‏.‏ وَعَمْرُو بْنُ مُرّةَ الْجُهَنِيّ، يُكْنَى أبَا مَرْيَمَ‏.‏

1331- حدثنا عَليّ بْنُ حُجْرٍ‏.‏ حدّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ عنْ يَزيدَ بن أبي مَرْيَمَ، عنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ، عَنْ أبي مَرْيَمَ صَاحِبَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، عَنِ النّبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ نحْو هَذَا الحْدِيثِ بِمَعْنَاهُ ويزيد بن ابي مريم شاميّ، وبريد بن ابي مريم كوفي، وأبو مريم هو عمرو بن مرّة الجهني‏.‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال عمرو بن مرة‏)‏ في التقريب عمرو بن مرة الجهني أبو طلحة أو أبو مريم صحابي مات بالشام في خلافة معاوية انتهى‏.‏ وقال صاحب المشكاة عمرو بن مرة يكنى أبا مريم الجهني وقيل الأزدي شهد أكثر المشاهد انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وما من إمام يغلق بابه دون ذوي الحاجة والخلة والمسكنة‏)‏ أي يحتجب ويمتنع من الخروج عند احتياجهم إليه والخلة بفتح الخاء المعجمة وتشديد اللام الحاجة والفقر‏.‏ فالحاجة والخلة والمسكنة ألفاظ متقاربة وإنما ذكرها للتأكيد والمبالغة ‏(‏إلا أغلق الله أبواب السماء دون خلته وحاجته ومسكنته‏)‏ أي أبعده ومنعه عما يبتغيه من الأمور الدينية أو الدنيوية فلا يجد سبيلاً إلى حاجة من حاجاته الضرورية‏.‏ قال القاضي‏:‏ المراد باحتجاب الوالي أن يمنع أرباب الحوائج والمهمات أن يدخلوا عليه فيعرضوها له ويعسر عليهم إنهاوها‏.‏ واحتجاب الله تعالى أن لا يجيب دعوته ويخيب آماله انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن عمر‏)‏ أخرجه الشيخان عنه مرفوعاً بلفظ‏:‏ كلكم راع الحديث قوله‏:‏ ‏(‏حديث عمر بن مرة حديث غريب‏)‏ وأخرجه أحمد والحاكم والبزار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن القاسم بن مخيمرة‏)‏ بضم الميم وفتح الخاء المعجمة وسكون التحتية وكسر الميم ‏(‏عن أبي مريم‏)‏ هو عمرو بن مرة المذكور ‏(‏نحو هذا الحديث بمعناه‏)‏ أخرجه أبو داود قال الحافظ في الفتح إن سنده جيد‏.‏

901- باب ما جاءَ لاَ يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَان

1332- حدثنا قُتَيْبَةُ‏.‏ حَدّثنَا أبو عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الملِكِ بنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ أبي بَكرَةَ‏.‏ قالَ كَتَبَ أبي إلى عُبَيْدِ الله بنُ أبي بَكْرَةَ وَهُوَ قَاضٍ، أن لا تَحْكُمْ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَأَنْتَ غَضْبَانُ‏.‏ فَإِني سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ ‏"‏لاَ يَحْكُمْ الْحَاكِمُ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، وَأَبُو بَكْرَةَ، اسْمُهُ نُفَيْعٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهو قاض‏)‏ أي بسجستان كما في رواية مسلم ‏(‏لا يحكم الحاكم بين اثنين‏)‏ أي متخاصمين ‏(‏وهو غضبان‏)‏ بلا تنوين أي في حالة الغضب لأنه لا يقدر على الاجتهاد والفكر في مسألتهما قال ابن دقيق العيد‏:‏ النهي عن الحكم حالة الغضب لما يحصل بسببه من التغير الذي يختل به النظر فلا يحصل استيفاء الحكم على الوجه‏.‏ قال وعداه الفقهاء بهذا المعنى إلى كل ما يحصل به تغير الفكر كالجوع والعطش المفرطين وغلبة النعاس وسائر ما يتعلق به القلب تعلقاً بشغله عن استيفاء النظر وهو قياس مظنة على مظنة‏.‏ وقد أخرج البيهقي بسند ضعيف عن أبي سعيد رفعه‏:‏ لا يقضي القاضي إلا هو شبعان ريان‏.‏ وسبب ضعفه أن في إسناده القاسم العمرى وهو متهم بالوضع‏.‏ وظاهر النهي التحريم ولا موجب لصرفه عن معناه الحقيقي إلى الكراهة فلو خالف الحاكم فحكم في حال الغضب، فذهب الجمهور إلى أنه يصح إن صادف الحق لأنه صلى الله عليه وسلم قضى للزبير في حال الغضب كما في حديث عبد الله بن الزبير عن أبيه‏.‏ فكأنهم جعلوا ذلك قرينة صارفة للنهي إلى الكراهة‏.‏ قال الشوكاني‏:‏ ولا يخفى أنه لا يصح إلحاق غيره صلى الله عليه وسلم به في مثل ذلك لأنه معصوم عن الحكم بالباطل في رضائه وغضبه، بخلاف غيره فلا عصمة تمنعه عن الخطأ ولهذا ذهب بعضهم إلى أنه لا ينفذ الحكم في حال الغضب لثبوت النهي عنه، والنهي يقتضي الفساد‏.‏ وفصل بعضهم بين أن يكون الغضب طرأ عليه بعد أن استبان له الحكم فلا يؤثر وإلا فهو محل الخلاف‏.‏ قال الحافظ ابن حجر وهو تفصيل معتبر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان ‏(‏وأبو بكرة اسمه نفيع‏)‏ بضم النون وفتح الفاء مصغراً صحابي مشهور بكنيته‏.‏

902- باب مَا جَاءَ في هَدَايَا الأُمَرَاء

1333- حدثنا أبُو كُرَيْبٍ‏.‏ حدثنا أبُو أُسامَةَ عنْ دَاوُدَ بْن يَزِيدَ الأَوْدِيّ، عَنِ المٍغِيرَةِ بنِ شُبَيْلٍ، عَنْ قَيْسِ بنِ أبي حَازِمٍ، عَنْ مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ قالَ‏:‏ بَعَثَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى اليَمَنِ‏.‏ فَلمّا سِرْتُ، أرْسَلَ في أثَرِي‏.‏ فَرُددْتُ فَقَالَ‏:‏ ‏"‏أتَدْرِي لِمَ بَعَثْتُ إلَيْكَ‏؟‏ لاَ تُصيبَنّ شَيْئاً بِغَيرِ إذْنِي فإنّهُ غُلُولٌ‏.‏ وَمَنْ يَغَلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلّ يَوْمَ الْقِيامَةِ‏.‏ لِهَذَا دَعَوْتُكَ، فَامْضِ لِعَمَلِكَ‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عَنْ عَدِيّ بنِ عَمِيرَةَ وَبُرَيْدَةَ والمُسْتَوْرِدِ بنِ شَدّادٍ وَأَبِي حُمَيْدٍ وابنِ عُمَرَ‏.‏

قال أبو عيسى حَدِيثُ مُعَاذٍ، حديثٌ غريبٌ لاَ نعْرِفُهُ إلاّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ أبي أُسَامَةَ عَنْ دَاوُدَ الأَوْدِيّ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في أثرى‏)‏ بفتحتين وبكسر وسكون أي عقبي ‏(‏فرددت‏)‏ بصيغة المجهول من الرد أي فرجعت إليه ووقفت بين يديه ‏(‏قال لا تصيبن شيئاً‏)‏ فيه إضمار تقديره بعثت إليك لأوصيك وأقول لك لا تصيبن أي لا تأخذن ‏(‏فإنه غلول‏)‏ أي خيانة والغلول هو الخيانة في الغنيمة ‏(‏ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة‏)‏ قال الطيبي أراد بما غل ما ذكره في قوله صلى الله عليه وسلم لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء الحديث ‏(‏لهذا‏)‏ أي لأجل هذا النصح ‏(‏وامض‏)‏ أي أذهب وفي بعض النسخ فامض بالفاء‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عدي بن عميرة‏)‏ بفتح العين المهملة وكسر الميم أخرجه مسلم وأبو داود ‏(‏وبريدة‏)‏ أخرجه أبو داود والحاكم ‏(‏والمستوردين بن شداد‏)‏ بتشديد الدال الأولى أخرجه أبو داود ‏(‏وأبي حميد‏)‏ أخرجه البيهقي وابن عدي قال الحافظ إسناده ضعيف ‏(‏وابن عمر رضي الله عنه‏)‏ لينظر من أخرجه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث معاذ حديث حسن غريب الخ‏)‏ ذكر الحافظ هذا الحديث في الفتح وعزاه إلى الترمذي وسكت عنه‏.‏

903- باب ما جاء في الرّاشِي والمُرْتَشِي فِي الْحكم

‏(‏باب ما جاء في الراشي والمرتشي في الحكم‏)‏ الراشي هو دافع الرشوة والمرتشي آخذها

1334- حدثنا قُتَيْبَةُ‏.‏ حَدّثَنَا أبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَمْرِو بنِ أبي سَلَمَةَ عنْ أبِيهِ، عَنْ أبي هُرَيرَةَ قالَ‏:‏ لَعَنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الرّاشِي وَالمُرْتَشِيَ في الحُكْمِ‏.‏

قال وفي البابِ عَنْ عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو، وعَائِشَةَ، وابنِ حَدِيدَةَ وأَمّ سَلَمَةَ‏.‏

قال أبو عيسى حَدِيثُ أبِي هُرَيْرَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَديثُ عَنْ أبي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

وَرُوِيَ عَنْ أبي سَلَمَةَ، عَنْ أبِيهِ، عَنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، وَلاَ يَصِحّ‏.‏ قال وسَمِعْتُ عَبْدَ الله بن عَبْدِ الرّحْمَنِ يَقُولُ‏:‏ حَدِيثُ أبي سَلَمَةَ عنْ عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم، أَحْسَنُ شَيْءٍ في هَذَا البَابِ وَأَصَح‏.‏

1335- حدثنا أبُو مُوسَى مُحَمّدُ بنُ المُثَنّى‏.‏ حَدّثَنَا أبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيّ‏.‏ حَدّثَنَا ابنُ أبي ذِئْبٍ عَنْ خَالِهِ الْحَارِثِ بنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ أبي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الله بنِ عَمْرو، قَالَ‏:‏ لَعَنَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الرّاشِيَ وَالمُرْتَشِيَ‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي في الحكم‏)‏ زاد في حديث ثوبان والرائش يعني الذي يمشي بينهما‏.‏ رواه أحمد قال ابن الأثير في النهاية الرّشوة والرّشوة الوصلة إلى الحاجة بالمصانعة وأصله من الرشا الذي يتوصل به إلى الماء فالراشي من يعطي الذي يعينه على الباطل‏.‏ والمرتشي الاَخذ والرائش الذي يسعى بينهما يستزيد لهذا أو يستنقص لهذا‏.‏ فأما ما يعطى توصلاً إلى أخذ حق أو دفع ظلم فغير داخل فيه‏.‏ روى أن ابن مسعود أخذ بأرض الحبشة في شيء فأعطى دينارين حتى خلى سبيله‏.‏ وروى عن جماعة من أئمة التابعين قالوا لا بأس أن يصانع الرجل عن نفسه وماله إذا خاف الظلم‏.‏ انتهى كلام ابن الأثير‏.‏ وفي المرقاة شرح المشكاة قيل‏:‏ الرشوة ما يعطى لإبطال حق أو لإحقاق باطل‏.‏ أما إذا أعطى ليتوصل به إلى حق أو ليدفع به عن نفسه ظلماً فلا بأس به‏.‏ وكذا الاَخذ إذا أخذ ليسعى في إصابة صاحب الحق فلا بأس به‏.‏ لكن هذا ينبغي أن يكون في غير القضاة والولاة‏.‏ لأن السعي في إصابة الحق إلى مستحقه ودفع الظلم عن المظلوم واجب عليهم فلا يجوز لهم الأخذ عليه قال القاري‏:‏ كذا ذكره ابن الملك وهو مأخوذ من كلام الخطابي‏:‏ إلا قوله وكذا الاَخذ- وهو بظاهره ينافيه حديث أبي أمامة مرفوعاً‏:‏ من شفع لأحد شفاعة فأهدى له هدية عليها فقبلها فقد أتى باباً عظيماً من أبواب الربا‏.‏ رواه أبو داود انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عبد الله بن عمرو‏)‏ أخرجه الترمذي وصححه وأبو داود وابن ماجه قال الشوكاني في النيل‏:‏ إسناده لا مطعن فيه ‏(‏وعائشة الخ‏)‏ قال الحافظ في التلخيص مخرجاً أحاديث الباب‏:‏ أما حديث عائشة وأم سلمة فينظر من أخرجهما ‏(‏وابن حديدة‏)‏ كذا في أكثر النسخ قال في أسد الغابة عن أبي نعيم وابن مندة أنه الصواب‏.‏ قال وقيل أبو حديدة انتهى‏.‏ بالمعنى وفي بعضها ابن حيدة وفي أبي حديد كذا في بعض الحواشي‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث أبي هريرة حديث حسن‏)‏ وأخرجه أحمد وأبو داود وابن حبان وصححه‏.‏

قال الشوكاني قد عزاه الحافظ في بلوغ المرام إلى أحمد والأربعة وهو وهم فإنه ليس في سنن أبي داود غير حديث ابن عمرو ووهم أيضاً بعض الشراح فقال‏:‏ إن أبا داود زاد في روايته لحديث ابن عمرو لفظ في الحكم وليست تلك الزيادة عند أبي داود‏.‏ قال ابن رسلان في شرح السنن‏:‏ وزاد الترمذي والطبراني بإسناد جيد في الحكم انتهى‏.‏ قلت الأمر كما قال الشوكاني‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وسمعت عبد الله بن عبد الرحمن‏)‏ هو عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام السمرقندي أبو محمد الدارمي الحافظ صاحب المسند ثقة فاضل متقن مات سنة خمس وخمسين ومائتين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ تقدم تخريجه‏.‏

904- باب مَا جَاءَ في قَبُولِ الْهدِيّةِ وَإِجَابَةِ الدّعْوَة

1336- حدثنا ألو بكر مُحَمّدُ بنُ عَبْدِ الله بنِ بَزِيع‏.‏ حدّثَنَا بِشْرُ بنُ المُفَضّلِ‏.‏ حَدّثَنَا سَعِيدٌ عنْ قَتَادَةَ، عَنْ أنَسٍ بنِ مَالِكٍ، قَالَ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لَوْ أُهْدِيَ إلَيّ كُرَاعٌ لَقَبِلْتُ‏.‏ وَلَوْ دُعِيتُ عَلَيْهِ لأَجَبْتُ‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عَنْ عَلِي وَ عَائشَةَ والْمُغِيرَةِ بنِ شُعْبَة و سَلْمَانُ ومُعَاوِيَةَ بْن حَيْدَةَ وَ عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ عَلْقَمَةَ‏.‏

قال أبو عيسى حَدِيثُ أنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لو أهدي إلى كراع‏)‏ بضم الكاف وفتح الراء المخففة هو مستدق الساق من الرجل، ومن حد الرسغ من اليد‏.‏ وهو من الغنم والبقر بمنزلة الوظيف من الفرس والبعير‏.‏ وقيل الكراع ما دون الكعب من الدواب‏.‏ وقال ابن فارس كراع كل شيء طرفه‏.‏ كذا في الفتح ‏(‏ولو دعيت عليه‏)‏ أي على الكراع، ووقع في حديث أبي هريرة عند البخاري‏:‏ لو دعيت إلى كراع لأجبت‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ وقد زعم بعض الشراح، وكذا وقع للغزالي أن المراد بالكراع في هذا الحديث المكان المعروف بكراع الغميم، وهو موضع بين مكة والمدينة‏.‏ وزعم أنه أطلق ذلك على سبيل المبالغة في الإجابة ولو بعد المكان لكان المبالغة في الإجابة مع حقارة الشيء أوضح ولهذا ذهب الجمهور إلى أن المراد بالكراع هنا كراع الشاة، وأغرب الغزالي في الإحياء فذكر الحديث بلفظ‏:‏ ولو دعيت إلى كراع الغميم‏.‏ ولا أصل لهذه الزيادة انتهى‏.‏ قلت‏:‏ لفظ الترمذي ولو دعيت عليه لأجبت يرد على من قال إن المراد بالكراع كراع الغميم‏.‏ وفي الحديث دليل على حسن خلقه صلى الله عليه وسلم وتواضعه وجبره لقلوب الناس، وعلى قبول الهدية وإجابة من يدعو الرجل إلى منزله‏.‏ ولو علم أن الذي يدعوه إليه شيء قليل‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن علي وعائشة والمغيرة بن شعبة وسلمان ومعاوية بن حيدة وعبد الرحمن بن علقمة‏)‏ قال في التلخيص‏:‏ أخرج أحمد والبزار عن علي رضي الله عنه أن كسرى أهدى النبي صلى الله عليه وسلم هدية فقبل منه، وأن الملوك أهدوا إليه فقبل منهم‏.‏ وفي النسائي عن عبد الرحمن بن علقمة الثقفي قال‏:‏ لما قدم وفد ثقيف قدموا معهم بهدية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أهدية أم صدقة‏؟‏ الحديث‏.‏ وفيه قالوا‏:‏ لا بل هدية فقبلها، وللبخاري عن عائشة‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى بطعام سأل أهدية أم صدقة‏؟‏ فإن قيل صدقة قال لأصحابه كلوا وإن قيل هدية فضرب بيده فأكل معهم‏.‏

قال الحافظ‏:‏ والأحاديث في ذلك شهيرة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث أنس حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري من حديث أبي هريرة بلفظ‏:‏ لو دعيت إلى كراع لأجبت ولو أهدى إلي ذراع لقبلت‏.‏

905- باب مَا جَاءَ في التّشْدِيدِ عَلَى مَنْ يُقْضَى لَهُ بِشَيْءٍ لَيْس لَهُ أنْ يَأْخذَه

1337- حدثنا هَارُونُ بْنُ إسْحَاقَ الْهَمْدَانِيّ‏.‏ حَدّثنَا عَبْدَةُ بنُ سُليمانَ عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أمّ سَلمَةَ عَنْ أُمّ سَلَمَةَ، قَالَتْ‏:‏ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏إنّكم تَخْتَصِمُونَ إِليّ، وَإنّما أنَا بَشَرٌ، وَلَعَلّ بَعْضكُمْ أَنْ يكونَ أَلْحَنَ بِحِجّتِهِ مِنْ بَعْضِ، فإن قَضَيْتُ لأِحَدٍ مِنْكُمْ بِشَيءٍ مِنْ حَقّ أَخِيهِ، فإنّما أقْطَعُ لَهُ قطعة مِنْ النّارِ، فَلاَ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئاً‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ وَ عَائِشَةَ‏.‏

قال أبو عيسى حَدِيثُ أمّ سَلمَةَ، حَدِيثٌ حسنٌ صَحِيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إنكم تختصمون إلي‏)‏ أي ترمون المخاصمة إلي ‏(‏وإنما أنا بشر‏)‏ أي كواحد من البشر في عدم علم الغيب‏.‏ قال النووي‏:‏ معناه التنبيه على حالة البشرية‏.‏ وأن البشر لا يعلمون عن الغيب وبواطن الأمور شيئاً إلا أن يطلعهم الله تعالى على شيء من ذلك‏.‏ وأنه يجوز عليه في أمور الأحكام ما يجوز عليهم‏.‏ وأنه إنما يحكم بين الناس بالظاهر ولا يتولى السرائر فيحكم بالبينة وباليمين ونحو ذلك من أحكام الظاهر مع إمكان كونه في الباطن خلاف ذلك‏.‏ ولو شاء الله لأطلعه على باطن أمر الخصمين فحكم بيقين نفسه من غير حاجة إلى شهادة أو يمين‏.‏ لكن لما أمر الله تعالى أمته بأتباعه والاقتداء، فأقواله وأفعاله وأحكامه أجرى له حكمهم في عدم الاطلاع على باطن الأمور ليكون حكم الأمة في ذلك حكمه، فأجرى الله تعالى أحكامه على الظاهر الذي يستوي فيه هو وغيره ليصح الاقتداء به انتهى‏.‏ ‏(‏ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض‏)‏ وفي رواية للبخاري ومسلم‏:‏ ولعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض‏.‏

قال الحافظ‏:‏ ألحن بمعنى أبلغ لأنه من لحن بمعنى فطن وزنه ومعناه، والمراد أنه إذا كان أفطن كان قادراً على أن يكون أبلغ في حجته من الاَخر انتهى‏.‏ ‏(‏فإنما أقطع له من النار‏)‏ وفي بعض النسخ قطعة من النار أي الذي قضيت له بحسب الظاهر إذا كان في الباطن لا يستحقه فهو عليه حرام يؤول به إلى النار‏.‏ وقوله قطعة من النار تمثيل يفهم منه شدة التعذيب على من يتعاطاه فهو من مجاز التشبيه كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إنما يأكلون في بطونهم ناراً‏}‏ قال النووي‏:‏ في هذا الحديث دلالة لمذهب مالك والشافعي وأحمد وجماهير علماء الإسلام وفقهاء الأمصار من الصحابة والتابعين فمن بعدهم، أن حكم الحاكم لا يحل الباطل ولا يحل حراماً‏.‏ فإذا شهد شاهداً زور لإنسان بمال، فحكم به الحاكم، لم يحل للمحكوم له من ذلك المال‏.‏ ولو شهدا عليه بقتل لم يحل للولي قتله مع علمه بكذبهما‏.‏ وإن شهد بالزور أنه طلق امرأته لم يحل لمن علم بكذبهما أن يتزوجها بعد حكم القاضي بالطلاق‏.‏ وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه‏:‏ يحل حكم الحاكم الفروج دون الأموال فقال‏:‏ نحل نكاح المذكورة‏.‏ وهذا مخالف لهذا الحديث الصحيح وإجماع من قبله، ومخالف لقاعدة وافق هو وغيره عليها وهي أن الأبضاع أولى بالاحتياط من الأموال انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي هريرة‏)‏ أخرجه ابن ماجه بنحو حديث الباب ‏(‏وعائشة‏)‏ لينظر من أخرجه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث أم سلمة حديث حسن صحيح‏)‏ أخرجه الجماعة وله ألفاظ‏.‏

906- باب ما جَاءَ في أنّ الْبَيّنَةَ عَلَى المُدّعِي وَالْيَمِين عَلَى المُدّعَى علَيْه

1338- حدثنا قُتَيْبَةُ‏.‏ حدّثنَا أَبُو الأحْوَصِ عَن سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَلْقمَةَ بنِ وَائِلِ بن حجر عَنْ أبِيهِ، قَالَ‏:‏ جَاءَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَ مَوْتَ وَرَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ فقَالَ الحَضْرَمِيّ يَا رَسُولَ الله إنّ هَذَا غَلَبَني عَلَى أرْضٍ لِي‏.‏ فقَالَ الْكِنْدِيّ‏:‏ هِيَ أرْضي وَفي يَدِي لَيْسَ لَهُ فِيهَا حَقّ‏.‏ فقَالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم لِلْحَضْرَمِيّ ‏"‏أَلَكَ بَيّنَةٌ‏"‏‏؟‏ قالَ‏:‏ لاَ قالَ ‏"‏فَلَكَ يَمِينُهُ‏"‏ قَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ الله إنّ الرّجُلَ فَاجِرٌ لاَ يُبَالِي عَلَى مَا حَلَفَ عَلَيهِ، وَلَيْسَ يَتَوَرّعُ مِنْ شَيْءٍ‏.‏ قَالَ ‏"‏لَيْسَ لَكَ مِنْهُ إلاّ ذَلِكَ‏"‏‏.‏

قَالَ، فَانْطَلَقَ الرّجُلُ لِيَحْلِفَ لَهُ‏.‏ فَقَالَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم لَمّا أَدْبَرَ ‏"‏لَئِنْ حَلَفَ عَلَى مَالِكَ لِيَأْكُلَهُ ظُلْماً، ليَلْقَيَنّ الله وَهُوَ عَنْهُ مُعْرِضٌ‏"‏ قال وفي البابِ عَنْ عُمَرَ وَابنِ عَبّاسٍ وَعَبْدِ الله بْنِ عَمْروِ وَالأشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ‏.‏

قال أبو عيسى حَديثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ‏.‏ حدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

1339- حدثنا عَلِيّ بْنُ حُجْرٍ‏.‏ أنبأنا عَلِيّ بْنُ مُسْهِرٍ وَغَيْرُهُ عَنْ مُحَمّد بْنِ عُبَيْدِ الله، عَنْ عَمْروِ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدّهِ أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ في خُطْبتِهِ ‏"‏الْبيّنَةُ عَلَى الْمُدّعِي‏.‏ وَاليَمِينُ عَلَى الْمُدّعَى عَلَيْهِ‏"‏‏.‏

هذا حديثٌ في إسْنَادِهِ مَقَالٌ وَمُحَمّدُ بْنُ عُبَيْدِ الله الْعَرْزَمِيّ يُضَعّفُ في الْحَدِيثِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ‏.‏ ضَعَفّهُ ابنُ الْمُبَارَكِ وَغَيْرُهُ‏.‏

1340- حدثنا مُحَمّدُ بنُ سَهْلِ بنِ عَسْكَرٍ الْبَغْدَادِيّ حدّثنَا مُحَمّدُ بنُ يُوسُفَ‏.‏ حدّثنَا نَافِعُ بنُ عُمَرَ الجُمَحِيّ عَنْ عَبْدِ الله بنِ أَبي مُلَيْكَةَ، عَن ابنِ عَبّاسٍ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قضَى أنّ الْيمينَ عَلَى المُدّعَى عَلَيْهِ‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ أن البَيّنَةَ عَلَى الْمُدّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى الْمدّعَى عَلَيْه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبيه‏)‏ هو وائل بن حجر رضي الله تعالى عنه ‏(‏جاء رجل من حضرموت‏)‏ بفتح الحاء المهملة وسكون الضاد وفتح الميم وسكون الواو وآخره مثناة فوقية وهو موضع من أقصى اليمن ‏(‏ورجل من كندة‏)‏ بكسر فسكون أبو قبيلة من اليمن ‏(‏غلبني على أرض ليّ‏)‏ أي بالغصب والتعدي ‏(‏هي أرضي‏)‏ أي ملك لي ‏(‏وفي يدي‏)‏ أي وتحت تصرفي ‏(‏إن الرجل‏)‏ أي الكندي ‏(‏فاجر‏)‏ أي كاذب ‏(‏إلا ذلك‏)‏ أي ما ذكر من اليمين ‏(‏لما أدبر‏)‏ أي حين ولي على قصد الخلف ‏(‏على ماله‏)‏ أي على مال الحضرمي ‏(‏ليلقين الله‏)‏ بالنصب ‏(‏وهو‏)‏ أي الله ‏(‏عنه‏)‏ أي الكندي ‏(‏معرض‏)‏ قال الطيبي هو مجاز عن الاستهانة به والسخط عليه والإبعاد عن رحمته نحو قوله تعالى ‏{‏لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم‏}‏ قوله‏:‏ ‏(‏‏(‏وفي الباب عن ابن عمر‏)‏ لينظر من أخرجه ‏(‏وابن عباس‏)‏ أخرجه مسلم مرفوعاً‏:‏ لو يعطي الناس بدعواهم لادعى الناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه‏.‏ وفي رواية البيهقي‏:‏ لكن البينة على المدعى واليمين على من أنكر، وإسناده حسن أو صحيح على ما قال النووي في شرح مسلم ‏(‏وعبد الله ابن عمرو‏)‏ أخرجه الترمذي ‏(‏والأشعث بن قيس‏)‏ أخرجه أبو داود وابن ماجه قوله‏:‏ ‏(‏حديث وائل بن حجر حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏البينة على المدعى عليه‏)‏ لأن جانب المدعي ضعيف فكلف حجة قوية وهي البينة وجانب المدعى عليه قوي فقنع منه بحجة ضعيفة وهي اليمين‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏ومحمد بن عبيد الله العرزمي‏)‏ بعين مهملة مفتوحة فراء ساكنة فزاي مفتوحة أبي عبد الرحمن الكوفي ‏(‏يضعف في الحديث‏)‏ قال الحافظ في التقريب‏:‏ متروك انتهى‏.‏ وقال الذهبي في الميزان‏:‏ قال أحمد بن حنبل ترك الناس حديثه‏.‏ وقال ابن معين‏:‏ لا يكتب حديثه‏.‏ وقال الفلاس‏:‏ متروك، قال الذهبي هو من شيوخ شعبة المجمع على ضعفه ولكن كان من عباد الله الصالحين‏.‏ مات سنة خمس وخمسين ومائة انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قضى أن اليمين على المدعى عليه‏)‏ أي المنكر ولم يذكر في هذا الحديث أن البينة على المدعى، لأنه ثابت مقرر في الشرع‏.‏ فكأنه قال البينة على المدعى فإن لم يكن له بينة فاليمين على المدعى عليه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

907- باب مَا جَاءَ في الْيَمِينِ مَعَ الشّاهِد

1341- حدثنا يَعْقُوبُ بنُ إبْرَاهِيمَ الدّوْرَقِي حَدّثنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بنُ مُحَمّدٍ قَالَ‏:‏ حَدّثَني رَبِيعةُ بنُ أبي عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ سُهَيْلٍ بنِ أبي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أبي هُرِيْرَةَ، قَالَ قَضَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِالْيَمِينِ مَعَ الشّاهِدِ الْوَاحِدِ قَالَ رَبِيعَةُ‏:‏ وَأخْبرَنِي ابنٌ لِسَعْدِ بنِ عُبَادَةَ قَالَ‏:‏ وَجَدْنَا في كِتَابِ سَعْد أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قَضَى بالْيَمينِ مَعَ الشّاهِدِ قال‏:‏ وفي البابِ عَن عَلِي وَجَابِرٍ وابنِ عَبّاسٍ وَسُرّقَ‏.‏

قال أبو عيسى حَدِيثُ أبي هُرَيْرَةَ أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قضَى بِالْيَمينِ مَعَ الشّاهِدِ، حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ‏.‏

1342- حدثنا مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ وَ مُحَمّدُ بنْ أَبّانَ قَالاَ‏.‏ حَدّثَنا عَبْدُ الْوَهّابِ الثّقَفِيّ عَنْ جَعفَرِ بنِ مُحَمّدٍ عَنْ أبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِالْيَمينِ مَعَ الشّاهِدِ‏.‏

1343- حدثنا عَلِيّ بنْ حُجْرٍ‏.‏ أخبرنا إسْمَاعِيلُ بنُ جَعْفَرٍ‏.‏ حدّثنَا جعْفَرُ بنُ مُحَمّدٍ عنْ أَبِيهِ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قضَى بالْيَمينِ مَعَ الشّاهِدِ الْوَاحِدِ قالَ‏:‏ وَقضَى بهَا عَلِيّ فِيكُمْ‏.‏

قال أبو عيسى وهذَا أصَحّ‏.‏ وهَكَذَا رَوَى سُفْيَانُ الثّوْرِيّ، عنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمّدٍ، عنْ أبِيهِ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلاً‏.‏ ورَوَى عَبْدُ العَزِيزِ بنِ أبِي سَلَمَةَ ويحيى بن سُلَيْمٍ هذا الحَدِيثَ عَنْ جعْفَرِ بنِ مُحَمّدِ، عنْ أبِيهِ، عنْ عَلِي، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ والعَمَلُ علَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ العِلْمِ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَغيْرِهِمْ رَأوْا أَنّ اليَميِنَ مَعَ الشّاهِدِ الْوَاحِدِ جَائِز في الْحُقُوق والأَمْوَالِ‏.‏ وهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بنِ أنس والشّافِعِيّ وأحْمَدَ وإسْحَاقَ‏.‏ وقَالُوا‏:‏ لاَ يُقْضَى بِالْيَمينِ مَعَ الشّاهِدِ الوَاحدِ إلاّ فِي الحُقُوقِ والأمْوَالِ وَلَمْ يَرَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ مِنْ أهْلِ الكُوفَة وَغَيْرِهمْ أَنْ يُقضَى باليَمينِ مَعَ الشّاهِدِ الوَاحِدِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم باليمين مع الشاهد الواحد‏)‏ قال المظهر يعني كان للمدعي شاهد واحد فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحلف على ما يدعيه بدلاً من الشاهد الاَخر فلما حلف قضى له صلى الله عليه وسلم بما ادعاه‏.‏ وبهذا قال الشافعي ومالك وأحمد‏.‏ وقال أبو حنيفة‏:‏ لا يجوز الحكم بالشاهد واليمين بل لا بد من شاهدين‏.‏ وخلافهم في الأموال‏.‏ فأما إذا كان الدعوى في غير الأموال فلا يقبل شاهد ويمين بالاتفاق‏.‏ كذا في المرقاة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن علي‏)‏ أخرجه أحمد والدارقطني من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن أمير المؤمنين على أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بشهادة شاهد واحد ويمين صاحب الحق وقضى به أمير المؤمنين بالعراق‏.‏ ‏(‏وجابر‏)‏ أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذي ‏(‏وسرق‏)‏ بالضم وتشديد الراء وصوب العسكري تخفيفها ابن أسد الجهني‏.‏ وقيل غير ذلك نسبه صحابي سكن مصر ثم الإسكندرية وحديثه أخرجه ابن ماجه وفي إسناده رجل مجهول وهو الراوي عنه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه ابن ماجه وأبو داود وزاد قال عبد العزيز الدراوردي فذكرت ذلك لسهيل فقال أخبرني ربيعة وهو عندي ثقة أني حدثته إياه ولا أحفظه‏.‏ قال عبد العزيز وقد كان أصاب سهيلاً علة أذهبت بعض عقله ونسي بعض حديثه فكان سهيل بعد يحدثه عن ربيعة عنه عن أبيه انتهى‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ رجاله مدنيون ثقات ولا يضره أن سهيل بن أبي صالح نسيه بعد أن حدث به ربيعة لأنه كان بعد ذلك يرويه عن ربيعة عن نفسه انتهى‏.‏ وروى ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه أنه صحيح وقال ابن رسلان في شرح السنن‏:‏ إنه صحح حديث الشاهد واليمين الحافظان أبو زرعة وأبو حاتم من حديث أبي هريرة وزيد بن ثابت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن جعفر بن محمد‏)‏ هو جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي أبو عبد الله المعروف بالصادق صدوق فقيه إمام مات سنة ثمان وأربعين ومائة عن ثمان وستين سنة ‏(‏عن أبيه‏)‏ هو محمد بن علي بن الحسين أبو جعفر المعروف بالباقر قال ابن سعد‏:‏ ثقة كثير الحديث توفي سنة أربع عشرة ومائة‏.‏ ‏(‏عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد‏)‏‏.‏ حديث جابر هذا أخرجه أحمد وابن ماجه أيضاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهذا أصح‏)‏ أي كونه مرسلاً أصح قال ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه وأبي زرعة هو مرسل‏.‏ وقال الدارقطني‏:‏ كان جعفر ربما أرسله وربما وصله‏.‏ وقال الشافعي والبيهقي‏:‏ عبد الوهاب وصله وهو ثقة‏.‏ وقد صحح حديث جابر أبو عوانة وابن خزيمة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وهو قول مالك بن أنس والشافعي وأحمد وإسحاق‏)‏ قال النووي‏.‏ قال جمهور علماء الإسلام من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء الأمصار‏:‏ يقضي بشاهد ويمين المدعي في الأموال وما يقصد به الأموال‏.‏ وبه قال أبو بكر الصديق وعلي وعمر بن عبد العزيز ومالك والشافعي وأحمد وفقهاء المدينة وسائر علماء الحجاز ومعظم علماء الأمصار، وحجتهم أنه جاءت أحاديث كثيرة في هذه المسألة من رواية علي وابن عباس وزيد بن ثابت وجابر وأبي هريرة وعمارة بن حزم وسعد بن عبادة، وعبد الله بن عمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة‏.‏ قال الحفاظ‏:‏ أصح أحاديث الباب حديث ابن عباس‏.‏ قال ابن عبد البر‏:‏ لا مطعن لأحد في إسناده، قال‏:‏ ولا خلاف بين أهل المعرفة في صحته‏.‏ قال‏:‏ وحديث أبي هريرة وجابر وغيرهما حسنان انتهى‏.‏ ‏(‏ولم ير بعض أهل العلم من أهل الكوفة وغيرهم أن يقضي باليمين مع الشاهد الواحد‏)‏ وهو قول أبي حنيفة والكوفيين والشعبي والحكم والأوزاعي والليث والأندلسيين من أصحاب مالك‏.‏ قالوا لا يحكم بشاهد ويمين في شيء من الأحكام‏.‏ واحتجوا بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏واستشهدوا بشهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان‏}‏ وبقوله‏:‏ ‏{‏وأشهدوا ذوي عدل منكم‏}‏ وقد حكى البخاري وقوع المراجعة ذلك ما بين أبي الزناد وابن شبرمة، فاحتج أبو الزناد على جواز القضاء بشاهد ويمين بالخبر الوارد في ذلك فأجاب عنه ابن شبرمة بقوله تعالى هذا‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وإنما تتم له الحجة بذلك على أصل مختلف فيه بين الفريقين يعني الكوفيين والحجازيين، وهو أن الخبر إذا ورد متضمناً لزيادة على ما في القرآن هل يكون نسخاً والسنة لا تنسخ القرآن أو لا يكون نسخاً، بل زيادة مستقلة بحكم مستقل إذا ثبت سنده وجب القول به‏.‏ والأول مذهب الكوفيين، والثاني مذهب الحجازيين‏.‏ ومع قطع النظر عن ذلك لا تنهض حجة ابن شبرمة لأنها تصير معارضة للنص بالرأي وهو غير معتد به‏.‏ وقد أجاب الاسماعيلي فقال ما حاصله‏:‏ إنه لا يلزم من التنصيص على الشيء نفيه عما عداه‏.‏ قال الحافظ بعد ذكر حاصل بحثه هذا لكن مقتضي ما يحثه إنه لا يقضي باليمين مع الشاهد الواحد إلا عند فقد الشاهدين، أو ما قام مقامهما من الشاهد والمرأتين‏.‏ وهو وجه للشافعية وصححه الحنابلة ويؤيده ما روى الدارقطني من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً‏:‏ قضى الله ورسوله في يالحق بشاهدين فإن جاء بشاهدين أخذ حقه، وإن جاء بشاهد واحد حلف مع شاهده‏.‏ وأجاب بعض الحنفية بأن الزيادة على القرآن نسخ وأخبار الاَحاد لا تنسخ المتواتر ولا تقبل الزيادة من الأحاديث إلا إذا كان الخبر بها مشهوراً‏.‏ وأجيب بأن النسخ رفع الحكم ولا رفع هنا‏.‏ وأيضاً فالناسخ والمنسوخ لا بد أن يتواردا على محل واحد وهذا غير متحقق في الزيادة على النسخ وغاية ما فيه أن تسمية الزيادة كالتخصيص نسخاً اصطلاح ولا يلزم منه نسخ الكتاب بالسنة لكن تخصيص الكتاب بالسنة جائز، وكذلك الزيادة، عليه كما في قوله تعالى ‏{‏وأحل لكم ما وراء ذلكم‏}‏، وأجمعوا على تحريم نكاح العمة مع بنت أخيها وسند الإجماع في ذلك السنة الثابتة‏.‏ وكذلك قطع رجل السارق في المرة الثانية ونحو ذلك‏.‏ وقد أخذ من رد الحكم بالشاهد واليمين لكونه زيادة على ما في القرآن بأحاديث كثيرة أحكام كثيرة كلها زائدة على ما في القرآن كالوضوء بالنبيذ، والوضوء بالقهقهة، ومن القيء، واستبراء المسبية، وترك قطع من سرق ما يسرع إليه الفساد، وشهادة المرأة الواحدة في الولادة، ولا قوة إلا بالسيف ولا جمعة إلا من السمك، ويحرم كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير، ولا يقتل الوالد بالولد، ولا يرث القاتل من القتيل، وغير ذلك من الأمثلة التي تتضمن الزيادة على عموم الكتاب‏.‏ وأجابوا بأن الأحاديث الواردة في هذه المواضع المذكورة أحاديث شهيرة فوجب العمل بها لشهرتها‏.‏ فيقال لهم‏:‏ وأحاديث القضاة بالشاهد واليمين رواها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نيف وعشرون نفساً وفيها ما هو صحيح فأي شهرة على هذه الشهرة‏؟‏ قال الشافعي‏:‏ القضاء بشاهد ويمين لا يخالف ظاهر القرآن لا يمنع أن يجوز أقل مما نص عليه يعني والمخالف لذلك لا يقول بالمفهوم أصلاً فضلاً عن مفهوم العدد كذا في النيل‏.‏

908- باب ما جَاءَ في الْعَبْدِ يَكُونُ بَيْنَ الرّجُليْنِ فَيَعْتِقُ أَحَدُهُمَا نَصِيبَه

1344- حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ‏.‏ حدّثنَا إِسْمَاعِيلُ بنُ إِبْرَاهِيمَ، عنْ أَيّوبَ، عنْ نَافِعٍ، عنِ ابنِ عُمَرَ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏مَنْ أَعْتَقَ نَصِيباً، أَوْ قَالَ شَقِصاً، أوْ قَالَ شِرْكاً لَهُ في عَبْدٍ، فَكَانَ لَهُ مِنَ المَالِ مَا يَبْلغُ ثَمَنَهُ بِقِيمَةِ الْعَدْلِ، فَهُوَ عَتِيقٌ‏.‏ وإلاّ فقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ‏"‏‏.‏ قالَ أيُوبُ‏:‏ ورُبّمَا قالَ نَافِعٌ في هَذَا الْحَدِيثِ، يَعْنِي فَقَدْ عتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ‏.‏

قال أبو عيسى حديثُ ابنِ عُمَرَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَقَدْ رَوَاهُ سَالِمٌ عنْ أبِيهِ، عنِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نحوه‏.‏

1345- حدثنا بِذَلِكَ الْحَسَنُ بنُ عَلِي الْخَلاّلُ‏.‏ حدّثنا عَبْدُ الرّزّاقِ‏.‏ أخبرنا مَعْمَرٌ، عنِ الزّهْرِيّ، عنْ سَالِمٍ، عنْ أبيهِ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏مَنْ أَعْتَقَ نَصِيباً لَهُ في عَبْدٍ، فَكانَ لَهُ مِنَ المَالِ مَا يَبْلغُ ثَمَنَهُ، فَهُوَ عَتِيقٌ مِنْ مَالِه‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

1346- حدثنا عَليّ بنُ خَشْرَمٍ‏.‏ أخبرنا عِيسَى بنُ يُونُسَ، عنْ سَعِيدٍ بنِ أبي عَرُوبَةَ، عنْ قَتَادَةَ، عَنِ النّضْرِ بنِ أنَسٍ، عنْ بَشِيرِ بنِ نَهِيكٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ أعْتَقَ نَصِيباً، أوْ قَالَ شَقِصاً في مَمْلُوك، فَخَلاَصُهُ في مَالِهِ إنْ كانَ لَهُ مَالٌ‏.‏ فإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ، قُوّمَ قِيمَةَ عَدْلٍ ثُمّ يُسْتَسْعَى في نَصِيبِ الّذِي لَمْ يُعْتِقْ، غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْه‏"‏ قال وفي البابِ عنْ عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو‏.‏

حدثنا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ‏.‏ حدّثنَا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بنِ أبي عَرُوبَةَ، نَحْوَهُ‏.‏

وقالَ‏:‏ شقيصاً‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَهَكَذَا رَوَى أبّانُ بنُ يَزِيدَ عنْ قَتَادَةَ مثْلَ رِوَايَةِ سَعِيدِ بنِ أبي عَرُوبَةَ، وَرَوَى شُعْبَةُ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ قِتَادَةَ ولَمْ يَذْكُرْ فيهِ أمْرَ السّعَايَةِ‏.‏ واخْتَلَفَ أهْلُ العِلْمِ في السّعَايَةِ فَرَأَى بَعْضُ أهْلِ العِلمِ السّعَايَةَ في هَذَا‏.‏ وهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ وأهْلِ الكُوفَةِ‏.‏ وبِهِ يَقُولُ إسْحَاقُ‏.‏ وقَدْ قَالَ بَعْضُ أهْلِ العِلمِ‏:‏ إذَا كانَ الْعَبدُ بَيْنَ الرجُلَيْنِ، فَأَعْتَقَ أحَدُهمَا نَصِيبَهُ، فإنْ كانَ لَهُ مالٌ‏:‏ غَرِمَ نَصِيبَ صَاحِبهِ وعَتَقَ الْعَبْد من ماله وان لم يكن من مال عتق من العبد مَا عَتَقَ، وَلاَ يُسْتَسْعَى‏.‏ وقَالُوا بِمَا رُوِيَ عنِ ابن عُمَرَ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ وهَذَا قَوْلُ أهْلِ المَدِينَةِ‏.‏ وبِهِ يَقُولُ مَالِكُ بنُ أنَسٍ والشّافِعيّ وأحْمَدُ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أو قال شقيصاً‏)‏ وفي بعض النسخ شقصاً قال في النهاية الشقص والشقيص النصيب في العين المشتركة من كل شيء ‏(‏أو قال شركا‏)‏ بكسر الشين وسكون الراء أي حصة ونصيباً كذا في النهاية ‏(‏فكان له‏)‏ أي للمعتق وفي رواية الشيخين‏:‏ وكان له ‏(‏ما يبلغ ثمنه‏)‏ وفي رواية الشيخين‏:‏ ما يبلغ ثمن العبد أي قيمة باقية ‏(‏بقيمة العدل‏)‏ أي تقويم عدل من المقومين أو المراد قيمة وسط ‏(‏فهو‏)‏ أي العبد ‏(‏وإلا‏)‏ أي وإن لم يكن له من المال ما يبلغ ثمن العبد ‏(‏فقد عتق منه‏)‏ أي من العبد ‏(‏ما عتق‏)‏‏.‏ من نصيب المعتق هذا الحديث بظاهره يدل على أن المعتق إن كان موسراً ضمن للشريك، وإن كان معسراً لا يستسعى العبد بل عتق منه ما عتق ورق ما رق‏.‏ ومذهب أبي حنيفة إن كان موسراً ضمن أو استسعى الشريك العبد أو أعتق، وإن كان معسراً لا يضمن لكن الشريك إما أن يستسعى أو يعتق والولاء لهما لأن الإعتاق يتجزى عنده وقالا أي صاحباه‏:‏ له ضمانه غنياً والسعاية فقيراً والولاء للمعتق لعدم تجزي الإعتاق عندهما‏.‏ ومعنى الاستسعاء أن العبد يكلف للاكتساب حتى يحصل قيمته للشريك‏.‏ وقيل هو أن يخدم الشريك بقدر ما له فيه من الملك كذا في اللمعات‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث أبن عمر حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان ‏(‏وقد رواه‏)‏ أي الحديث المذكور ‏(‏سالم عن أبيه‏)‏ أي عن ابن عمر كما رواه نافع عنه ثم أسنده الترمذي بقوله حدثنا بذلك الخ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري وغيره‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏عن بشير بن نهيك‏)‏ بفتح الموحدة وكسر الشين المعجمة وبفتح النون وكسر الهاء وزنا واحداً هو أبو الشعثاء البصرى ثقة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فخلاصه في ماله إن كان له مال‏)‏ أي يبلغ قيمة باقية‏.‏ وفي رواية مسلم من عتق شقصاً في عبد أعتق كله إن كان له مال ‏(‏وإن لم يكن له‏)‏ أي للمعتق ‏(‏قوم‏)‏ بصيغة المجهول من التقويم ‏(‏قيمة عدل‏)‏ أي تقديم عدل من المقومين أو المراد قيمة وسط ‏(‏يستسعى‏)‏ بصيغة المجهول‏.‏ قال النووي رحمه الله‏:‏ معنى الاستسعاء أن العبد يكلف بالاكتساب والطلب حتى يحصل قيمة نصيب الشريك الاَخر فإذا دفعها إليه عتق‏.‏ كذا فسره الجمهور‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ هو أن يخدم سيده الذي لم يعتق بقدر ما له فيه من الرق ‏(‏غير مشقوق عليه‏)‏ أي لا يكلف بما يسق عليه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عبد الله بن عمرو‏)‏ لينظر من أخرجه قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ أخرجه الجماعة إلا النسائي كذا في المنتقى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وهكذا روى أبان ابن يزيد عن قتادة مثل رواية سعيد بن أبي عروبة نحوه‏)‏ يعني بذكر الاستسعاء‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏فرأى بعض أهل العلم السعاية في هذا وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة وبه يقول إسحاق‏)‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ وقد ذهب إلى الأخذ بالاستسعاء إذا كان المعتق معسراً أبو حنيفة وصاحباه والأوزاعي والثوري وإسحاق وأحمد في رواية، وآخرون، ثم اختلفوا فقال الأكثر يعتق جميعه في الحال ويستسعى العبد في تحصيل قيمة نصيب الشريك، وزاد ابن أبي ليلى فقال‏:‏ ثم يرجع العبد على المعتق الأول بما أداه للشريك، وقال أبو حنيفة وحده‏:‏ يتخير الشريك بين الاستسعاء وبين عتق نصيبه‏.‏ وهذا يدل على أنه لا يعتق عنده ابتداء إلا النصيب الأول فقط وهو موافق لما جنح إليه البخاري من أنه يصير كالمكاتب وعن عطاء يتخير الشريك بين ذلك وبين إبقاء حصته في الرق‏.‏ وخالف الجميع زفر فقال يعتق كله وتقوم حصة الشريك فتؤخذ إن كان المعتق موسراً، وترتب في ذمته إن كان معسراً انتهى‏.‏ ‏(‏وقالوا بما روي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ يعني حديثه المذكور في هذا الباب‏.‏ ‏(‏وهذا قول أهل المدينة وبه يقول مالك بن أنس والشافعي وأحمد وإسحاق‏)‏ قال الحاشية الأحمدية‏:‏ ليس في نسخة صحيحة ذكر إسحاق ههنا وهو الأنسب بما سبق انتهى‏.‏ واستدل لهم بحديث ابن عمر المذكور في هذا الباب، وبأحاديث أخرى ذكرها الحافظ في الفتح‏.‏ وأجيب من قبلهم عن حديث أبي هريرة بأن ذكر الاستسعاء فيه مدرج ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ وأجيب من جانب الأولين عن حديث ابن عمر رضي الله عنه بأن الذي يدل فيه على ترك الاستسعاء هو قوله‏:‏ وإلا فقد عتق منه ما عتق‏.‏ هو مدرج ليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

قال الشوكاني في النيل‏:‏ والذي يظهر أن الحديثين صحيحان مرفوعان وفاقاً لصاحبي الصحيح ثم قال بعد ذكر مؤيدات لهاتين الزيادتين فالواجب قبول الزيادتين المذكورتين في حديث ابن عمر وحديث أبي هريرة وظاهرهما التعارض والجمع ممكن وقد جمع البيهقي بين الحديثين بأن معناهما أن المعسر إذا أعتق حصته لم يسر العتق في حصة شريكه، بل تبقى حصة شريكه على حالها وهي الرق، ثم يستسعى العبد في عتق بقيته، فيحصل ثمن الجزء الذي لشريك سيده ويدفعه إليه ويعتق وجعلوه في ذلك كالمكاتب، وهو الذي جزم به البخاري‏.‏

قال الحافظ‏:‏ والذي يظهر أنه في ذلك باختياره لقوله غير مشقوق عليه‏.‏ فلو كان ذلك على سبيل اللزوم بأن يكلف العبد الاكتساب والطلب حتى يحصل ذلك لحصل له غاية المشقة، وهي لا تلزم في الكتابة بذلك عند الجمهور لأنها غير واجبة فهذه مثلها‏.‏ قال البيهقي‏:‏ لا يبقى بين الحديثين بعد هذا الجمع معارضة أصلاً‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وهو كما قال إلا أنه يلزم منه أن يبقى الرق في حصة الشريك إذا لم يختر العبد الاستسعاء، فيعارضه حديث أبي المليح، يعني بحديثه الذي يرويه عن أبيه‏:‏ أن رجلاً من قومنا أعتق شقصاً له من مملوكه فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل خلاصه عليه في ماله، وقال‏:‏ ليس لله عز وجل شريك‏.‏ رواه أحمد وفي لفظ‏:‏ هو حر على ما إذا كان المعتق غنياً أو على ما إذا كان جميعه له فأعتق بعضه انتهى‏.‏ وفي هذه المسألة كلام طويل من الجانبين، فإن شئت الوقوف عليه فعليك أن ترجع إلى فتح الباري وغيره‏.‏

909- باب ما جَاءَ في الْعُمْرَى

‏(‏باب ما جاء في العمرى‏)‏ بضم العين المهملة وسكون الميم مع القصر قال الحافظ في الفتح وحكى ضم الميم مع ضم أوله وحكى فتح أوله مع السكون انتهى‏.‏ قال في النهاية‏:‏ يقال أعمرته الدار عمرى، أي جعلتها له يسكنها مدة عمره فإذا مات عادت إليّ، وكذا كانوا يفعلون في الجاهلية، فأبطل ذلك، وأعلمهم أن من أعمر شيئاً أو أرقبه في حياته فهو لورثته من بعده‏.‏ وقد تعاضدت الروايات على ذلك والفقهاء فيها مختلفون فمنهم من يعمل بظاهر الحديث ويجعلها تمليكاً، ومنهم من يجعلها كالعارية ويتأول الحديث انتهى‏.‏ قلت الجمهور على أن العمرى إذا وقعت كانت ملكاً للاَخذ ولا ترجع إلى الأول، إلا إن صرح باشتراط ذلك ثم اختلفوا إلى ما يتوجه التمليك فالجمهور أنه يتوجه إلى الرقبة كسائر الهبات‏.‏ حتى لو كان المعمر عبداً فأعتقه الموهوب له، نفذ بخلاف الواهب‏.‏ وقيل يتوجه إلى المنفعة دون الرقبة‏.‏ وهو قول مالك والشافعي في القديم، وهل يسلك به مسلك العارية أو الوقف‏؟‏ روايتان عند المالكية‏.‏ وعن الحنفية التمليك في العمرى يتوجه إلى الرقبة وفي الرقبى إلى المنفعة‏.‏ وعنهم إنها باطلة كذا ذكره الحافظ‏.‏ قلت ما ذهب إليه الجمهور هو الظاهر

1347- حدثنا مُحَمّدُ بنُ المُثَنّى‏.‏ حدّثْنَا ابنُ أبي عَدِي، عَنْ سَعِيدٍ، عنْ قَتَادَةَ، عنِ الْحَسَنِ، عنْ سَمُرَةَ أنّ نَبيّ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏الْعُمْرَى جَائِزَةٌ لإهْلِهَا، أوْ مِيراثٌ لإهْلهَا‏"‏‏.‏ قال وفي البابِ عَنْ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ وجَابِرٍ، وأبي هُرَيْرَةَ وعَائِشَةَ وابنِ الزّبَيْرِ وَمُعَاوِيَةَ‏.‏

1348- حدثنا الأنْصَارِيّ‏.‏ حدّثَنَا مَعْنٌ‏.‏ حدّثنَا مَالِكٌ عنِ ابنِ شِهَابٍ، عن أبِي سَلَمَةَ، عنْ جَابِرِ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏أيّمَا رَجُلٍ أُعْمِرَ عُمْرَى لَهُ وَلِعَقبِهِ، فَإِنّهَا لِلّذِي يُعطَاهَا، لا تَرْجِعُ إلى الّذي أعْطَاهَا‏.‏ لأنّهُ أعْطَى عَطَاءً وَقَعَتْ فِيهِ المَوَارِيثُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وهَكَذَا رَوَى مَعْمَرٌ وغَيرُ وَاحِدٍ عنِ الزّهْرِيّ، مِثْلَ روَايَةِ مَالِكٍ‏.‏ ورَوَى بَعْضُهُمْ عنِ الزّهْرِيّ، وَلمْ يَذْكُرْ فِيهِ ‏(‏وَلِعَقبِهِ‏)‏‏.‏ وروى هذا الحديث من غير وجه عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال العمري جائزة لأهلها وليس فيها ‏(‏لعقبه‏)‏ وهذا حديث حسن صحيح‏.‏ والعملُ على هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ العِلمِ‏.‏ قَالُوا‏:‏ إذَا قالَ‏:‏ هَيَ لَكَ، حَيَاتَكَ وَلَعَقِبِكَ، فإنها لِمَنْ أُعْمِرَهَا، لاَ تَرْجِعُ إلا الأَوّلِ‏.‏ وإذَا لَمْ يَقُلْ ‏(‏لِعَقِبكَ‏)‏ فَهِيَ رَاجِعَةٌ إلى الأَوّلِ إذا مَاتَ المُعْمَرُ‏.‏ وهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بنِ أنسٍ والشّافِعِيّ‏.‏ ورُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏الْعُمْرَى جَائِزةٌ لأَهْلِهَا‏"‏ والْعَمَلُ عَلى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ العِلمِ قَالُوا‏:‏ إذَا مَاتَ المُعْمَرُ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ‏.‏ وإنْ لمْ تجْعَلْ لِعَقِبهِ‏.‏ وهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ وأحْمَدَ وإسْحَاقَ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏العمرى جائزة لأهلها‏)‏ أي لأهل العمرى وهو المعمر له ‏(‏أو ميراث لأهلها‏)‏ شك من الراوي‏.‏ وروى مسلم من حديث جابر مرفوعاً بلفظ‏:‏ إن العمرى ميراث لأهلها‏.‏ وفيه دليل على أن العمرى تمليك الرقبة والمنفعة فهو حجة على مالك رحمه الله في قوله‏:‏ إن العمرى تمليك المنافع دون الرقبة‏.‏ وحديث سمرة هذا أخرجه أحمد أيضاً وفي سماع الحسن من سمرة كلام‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن زيد بن ثابت‏)‏ أخرجه ابن حبان بلفظ‏:‏ العمرى سبيلها سبيل الميراث ‏(‏وجابر‏)‏ أخرجه مسلم وغيره بألفاظ ‏(‏وأبي هريرة‏)‏ أخرجه البخاري ومسلم بلفظ‏:‏ العمرى جائزة ‏(‏وعائشة وابن الزبير ومعاوية‏)‏ أما حديث ابن الزبير فأخرجه الطبراني ذكره العيني في العمدة‏.‏ وأما حديث عائشة ومعاوية فلينظر من أخرجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أيما رجل أعمر‏)‏ بصيغة المجهول ‏(‏عمرى‏)‏ قال القاري هو مفعول مطلق ‏(‏له‏)‏ متعلق بعمر والضمير للرجل ‏(‏ولعقبه‏)‏ بكسر القاف ويجوز إسكانها مع فتح العين ومع كسرها كما في نظائره والعقب هم أولاد الإنسان ما تناسلوا قاله النووي‏.‏ ‏(‏فإنها‏)‏ أي العمرى ‏(‏للذي يعطاها‏)‏ بصيغة المجهول ‏(‏لأنه أعطى‏)‏ على بناء الفاعل وقيل على بناء المفعول ‏(‏عطاء وقعت فيه المواريث‏)‏ والمعنى أنها صارت ملكاً للمدفوع إليه، فيكون بعد موته لوارثه كسائر أملاكه ولا ترجع إلى الدافع قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم قوله‏:‏ ‏(‏والعمل على هذا‏)‏ أي على حديث جابر المذكور ‏(‏هي لك حياتك‏)‏ بالنصب أي الدار لك مدة حياتك ‏(‏ولعقبك‏)‏ ولأولادك ‏(‏فإنها لمن أعمرها‏)‏ بصيغة المجهول ‏(‏لا ترجع إلى الأول أي المعمر ‏(‏إذا مات المعمر‏)‏ أي المعمر له ‏(‏وهو قول مالك بن أنس والشافعي‏)‏ وهو قول الزهري‏.‏ واحتجوا بحديث جابر المذكور فإن مفهوم الشرط الذي تضمنه أيما والتعليل يدل على أن من لم يعمر له كذلك لم يورث منه العمرى بل يرجع إلى المعطى‏.‏ وبما روى مسلم عن جابر رضي الله عنه مرفوعاً‏.‏ قال‏:‏ إنما العمرى التي أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول‏:‏ هي لك ولعقبك، فأما إذا قال هي لك ما عشت فإنها ترجع إلى صاحبها‏.‏ واعلم أن قول الشافعي هذا في القديم كما صرح به الحافظ في الفتح‏.‏ وأما قوله في الجديد فكقول الجمهور‏.‏ ‏(‏وروي من غير وجه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ العمرى جائزة لأهلها‏)‏ أي بدون ذكر ولعقبه‏.‏ ‏(‏وهو قول سفيان الثوري وأحمد وإسحاق‏)‏ وهو قول أبي حنيفة رحمه الله والجمهور‏.‏ واحتجوا بما روى مسلم عن جابر مرفوعاً‏:‏ أن العمرى ميراث لأهلها‏.‏ وبما روى هو عنه مرفوعاً‏:‏ أمسكوا أموالكم عليكم لا تفسدوها فإنه من أعمر عمرى فهي للذي أعمر حياً وميتاً ولعقبه‏.‏ قال النووي رحمه الله‏:‏ والمراد به إعلامهم أن العمرى هبة صحيحة ماضية يملكها الموهوب له ملكاً تاماً لا يعود إلى الواهب أبداً‏.‏ فإذا علموا ذلك فمن شاء أعمر ودخل على بصيرة، ومن شاء ترك لأنهم كانوا يتوهمون أنها كالعارية ويرجع فيها‏.‏ وهذا دليلي للشافعي وموافقيه انتهى‏.‏ قال الحافظ في الفتح بعد ذكر روايات العمرى المختلفة ما لفظه‏:‏ فيجتمع من هذه الروايات ثلاثة أحوال‏:‏ أحدها- أن يقول هي لك ولعقبك‏.‏ فهذا صريح في أنها للموهوب له ولعقبه‏.‏ ثانيها- أن يقول هي لك ما عشت فإذا مت رجعت إلى‏.‏ فهذه عارية مؤقتة وهي صحيحة، فإذا مات رجعت إلى الذي أعطى، وقد بينت هذه والتي قبلها رواية الزهري، وبه قال أكثر العلماء ورجحه جماعة من الشافعية، والأصح عند أكثرهم‏:‏ لا ترجع إلى الواهب، واحتجوا بأنه شرط فاسد فلغي ثالثها- أن يقول أعمرتكها ويطلق‏.‏ فرواية أبي الزبير هذه ‏(‏يعني بها ما رواه مسلم عنه عن جابر قال‏:‏ جعل الأنصار يعمرون المهاجرين فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ أمسكوا عليكم أموالكم ولا تفسدوها فإنه من أعمر عمرى فهي للذي أعمرها حياً وميتاً ولعقبه‏)‏ تدل على أن حكمها حكم الأول، وأنها لا ترجع إلى الواهب‏.‏ وهو قول الشافعي في الجديد والجمهور، وقال في القديم‏:‏ العقد باطل من أصله‏.‏ وعنه كقول مالك‏.‏ وقيل القديم عن الشافعي كالجديد‏.‏ وقد روى النسائي أن قتادة حكى أن سليمان بن هشام بن عبد الملك سأل الفقهاء عن هذه المسألة أعني صورة الإطلاق فذكر له قتادة عن الحسن وغيره أنها جائزة، وذكر له حديث أبي هريرة بذلك وذكر له عن عطاء عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك‏.‏ قال فقال الزهري إنما العمرى أي الجائزة إذا أعمر له ولعقبه من بعده‏.‏ فإذا لم يجعل عقبه من بعده كان للذي يجعل شرطه‏.‏ قال قتادة‏:‏ واحتج الزهري بأن الخلفاء لا يقضون بها‏.‏ فقال عطاء‏:‏ قضى بها عبد الملك بن مروان انتهى‏.‏

910- باب ما جَاءَ في الرّقْبَي

‏(‏باب ما جاء في الرقبى‏)‏ على وزن حبلى‏.‏ قال الجزري في النهاية‏:‏ الرقبي هو أن يقول الرجل للرجل قد وهبت لك هذه الدار فإن مت قبلي رجعت إلي، وإن مت قبلك فهي لك وهي فعلى من المراقبة لأن كل واحد منهما يرقب موت صاحبه انتهى‏.‏ قال القاري الرقبى لا تصح عند أبي حنيفة ومحمد وتصح عند أبي يوسف رحمهم الله انتهى‏.‏ وقال الحافظ في الفتح‏:‏ العمرى والرقبى متحد المعنى عند الجمهور، ومنع الرقبى مالك وأبو حنيفة ومحمد ووافق أبو يوسف الجمهور‏.‏ وقد روى النسائي بإسناد صحيح عن ابن عباس موقوفاً‏:‏ العمرى والرقبى سواء إنتهى

1349- حدثنا أحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ‏.‏ حدّثنَا هُشَيْمٌ عنْ دَاوُدَ بنِ أبِي هِنْدٍ، عنْ أبي الزّبَيْرِ، عنْ جَابِرٍ، قالَ‏:‏ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏الْعُمْرَى جَائِزَة لإهْلِهَا‏.‏ والرّقْبَى جَائِزَةٌ لإهْلِهَا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ‏.‏ وقَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ عنْ أبي الزّبَيْرِ بهذا الاسناد عنْ جَابِرٍ مَوْقُوفاً‏.‏ ولم يرفعه والْعَمَلُ عَلى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ العِلمِ مِنْ أصْحَابِ النبي صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهِمْ أنّ الرّقْبَي جَائِزَةٌ مِثْلَ العُمْرَى وهُوَ قَوْلُ أحْمَدَ وإسْحَاقَ‏.‏ وَفرّقَ بَعْضُ أهْلِ العِلمِ مِنْ أهْلِ الْكُوفَةِ وغَيْرِهِمْ بَيْنَ العُمْرَى وَالرّقْبَى‏.‏ فَأَجَازُوا العُمْرَى وَلَمْ يُجِيزُوا الرّقْبَى‏.‏

قال أبو عيسى وَتَفْسِيرُ الرّقْبَى أنْ يَقُولَ‏:‏ هَذَا الشيءُ لَكَ مَا عِشْتَ‏.‏ فَإِنّ مِتّ قَبْلِي فَهِيَ رَاجِعَةٌ إلَيّ‏.‏ وقالَ أحْمَدُ وإسْحَاقُ‏:‏ الرّقْبَى مِثْلُ العُمْرَى‏.‏ وهِيَ لِمَنْ أُعْطِيَهَا‏.‏ ولاَ تَرْجِعُ إلَى الأَوّلِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏العمرى جائزة لأهلها‏)‏ أي لمن أعمر له ‏(‏والرقبى جائزة لأهلها‏)‏ أي لمن أرقب له‏.‏ وروى النسائي عن ابن عباس مرفوعاً بلفظ العمرى لمن أعمرها، والرقبى لمن أرقبها، والعائد في هبته كالعائد في قيئه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ أخرجه الخمسة كذا في المنتقى قوله‏:‏ ‏(‏ولم يجيزوا الرقبى‏)‏ وحديث الباب وما في معناه حجة عليهم‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏قال أحمد وإسحاق الرقبى مثل العمرى الخ‏)‏ وهو قول الجمهور، وهو الظاهر يدل عليه حديث الباب‏.‏ وفي الباب أحاديث ذكرها الزيلعي في نصب الراية في باب الرجوع في الهبة‏.‏

911- باب مَا ذُكِرَ عَنْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في الصّلْحِ بَيْنَ النّاس

1350- حدثنا الْحَسَنُ بنُ عَلِي الْخَلاّلُ‏.‏ حدّثَنَا أبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيّ‏.‏ حدّثنَا كَثِيرُ بنُ عَبْدِ الله بنِ عَمْرِو بنِ عَوْفٍ المُزْنِيّ عنْ أبِيهِ، عنْ جَدّهِ أنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏الصّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ المُسْلِمِينَ‏.‏ إلاّ صُلْحاً حَرّمَ حَلاَلاً أوْ أحَلّ حَرَاماً‏.‏ والمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، إلاّ شَرْطاً حَرّمَ حَلاَلاً أوْ أحَلّ حَرَاماً‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبو عامر العقدي‏)‏ بفتح العين المهملة والقاف اسمه عبد الملك ابن عمرو القيسي ثقة ‏(‏حدثنا كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني‏)‏ قال في التقريب ضعيف من السابعة منهم من كذبه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏الصلح جائز بين المسلمين‏)‏ خصهم لا لإخراج غيرهم بل لدخولهم في ذلك دخولاً أولياً اهتماماً بشأنهم ‏(‏إلا صلحاً حرم حلالاً‏)‏ كمصالحة الزوجة للزوج على أن لا يطلقها أو لا يتزوج عليها أو لا يبيت عند ضرتها‏.‏ ‏(‏أو أحل حراماً‏)‏ كالصلح على أكل ما لا يحل أكله أو نحو ذلك‏.‏ ‏(‏والمسلمون على شروطهم‏)‏ أي ثابتون عليها لا يرجعون عنها ‏(‏إلا شرطاً حرم حلالاً‏)‏ فهو باطل كان يشترط أن لا يطأ أمته أو زوجته أو نحو ذلك ‏(‏أو أحل حراماً‏)‏ كأن يشترط نصرة الظالم أو الباغي أو غزو المسلمين قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه ابن ماجه وأبو داود وانتهت روايته عند قوله شروطهم‏.‏ وفي تصحيح الترمذي هذا الحديث نظر فإن في إسناده كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف وهو ضعيف جداً، قال فيه الشافعي وأبو داود‏:‏ هو ركن من أركان الكذب‏.‏ وقال النسائي‏:‏ ليس بثقة‏.‏ وقال ابن حبان‏:‏ له عن أبيه عن جده نسخة موضوعة‏.‏ وتركه أحمد وقد نوقش الترمذي في تصحيح حديثه‏.‏ قال الذهبي‏:‏ أما الترمذي فروى من حديثه‏:‏ الصلح جائز بين المسلمين وصححه، فلهذا لا يعتمد العلماء على تصحيحه‏.‏ وقال ابن كثير في إرشاده‏:‏ قد نوقش أبو عيسى يعني الترمذي في تصحيحه هذا الحديث وما شاكله انتهى‏.‏ واعتذر له الحافظ فقال وكأنه اعتبر بكثرة طرقه كذا قال الشوكاني في النيل‏:‏ وذكر فيه طرقه، وقال بعد ذكرها‏:‏ لا يخفي أن الأحاديث المذكورة والطرق يشهد بعضها لبعض، فأقل أحوالها أن يكون المتن الذي اجتمعت عليه حسناً انتهى‏.‏

912- باب ما جَاءَ في الرّجُلِ يَضَعُ عَلَى حَائِطِ جَارِهِ خَشَبا

1351- حدثنا سَعِيدُ بنُ عَبْدِ الرّحمَنِ المخزومي، حدّثنَا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ عنِ الزّهْرِيّ، عنْ الأَعْرَجِ، عنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ سَمِعْتُهُ يَقُولُ‏:‏ قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إذَا اسْتَأْذَنَ أحَدَكُمُ جَارُهُ أنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً في جِدَارِهِ، فَلاَ يَمْنَعْهُ‏"‏‏.‏

فَلَمّا حَدّثَ أبُو هُرَيْرَةَ، طَأْطَأُوا رُؤُوسهُمْ، فقَالَ‏:‏ مَالِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ‏؟‏ وَالله لأرْمِيَنّ بِهَا بَيْنَ أكْتَافِكُمْ‏.‏ قال وفي البابِ عنِ ابنِ عَبّاسٍ وَمُجَمّع بنِ جَارِيَةَ‏.‏

قال أبو عيسى حديثُ أبي هُرَيْرَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ والعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ العِلمِ‏.‏ وبِهِ يَقُولُ الشّافِعِيّ‏.‏ وَرَوَى عن بَعْض أهْلِ العِلمِ مِنْهُمْ مَالِكُ بنُ أنَسٍ‏.‏ قَالُوا‏:‏ لَهُ أنْ يَمْنَعَ جَارَهُ أنْ يَضَعَ خَشَبَهُ في جِدَارِهِ‏.‏ وَالْقَوْلُ الأوّلُ أصَحّ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن يغرز‏)‏ بكسر الراء أي يضع ‏(‏خشبة‏)‏ بالإفراد المراد به الجنس لأنه قد وقع في صحيح البخاري وغيره خشبة بالجمع‏.‏ قال ابن عبد البر روي اللفظان في الموطإ والمعنى واحد، لأن المراد بالواحد الجنس انتهى‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وهذا الذي يتعين للجمع بين الروايتين وإلا فالمعنى قد يختلف باعتبار أن أمر الخشبة الواحدة أخف في مسامحة الجار بخلاف الخشب الكثير انتهى‏.‏ ‏(‏فلا يمنعه‏)‏ بالجزم استدل به على أن الجدار إذا كان لواحد وله جار فاستأذنه أن يضع جذعه عليه فليس له المنع ‏(‏فلما حدث أبو هريرة‏)‏ أي هذا الحديث ‏(‏طأطأوا‏)‏ أي نكسوا وفي رواية ابن عيينة عند أبي داود، فنكسوا رؤوسهم ‏(‏عنها‏)‏ أي عن هذه السنة أو عن هذه المقالة ‏(‏لأرمين بها‏)‏ وفي رواية أبي داود لألقينها أي لأشيعن هذه المقالة فيكم ولأقر عنكم بها كما يضرب الإنسان بالشيء بين كتفيه ليستيقظ من غفلته‏.‏ وقال الخطابي معناه‏:‏ إن لم تقبلوا هذا الحكم وتعملوا به راضين لأجعلنها أي الخشبة على رقابكم كارهين‏.‏ قال وأراد بذلك المبالغة وبهذا التأويل جزم إمام الحرمين تبعاً لغيره‏:‏ وقال، إن ذلك وقع من أبي هريرة حين كان يلي إمرة المدينة‏.‏ وقد وقع عند ابن عبد البر‏:‏ لأرمين بها بين أعينكم وإن كرهتم‏.‏ وهذا يرجح التأويل المتقدم‏.‏ كذا في الفتح، قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن عباس‏)‏ أخرجه ابن ماجه ‏(‏ومجمع بن جارية‏)‏ أخرجه ابن ماجة والبيهقي‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح‏)‏ أخرجه الجماعة إلا النسائي قوله‏:‏ ‏(‏وبه يقول الشافعي‏)‏ وبه يقول أحمد وإسحاق وغيرهما من أهل الحديث وابن حبيب من المالكية‏.‏ قاله الحافظ‏.‏ وقد صرح هو بأن قول الشافعي هذا في القديم، قال وعنه في الجديد قولان‏.‏ أحدهما اشتراط إذن المالك، فإن امتنع لم يجبر‏.‏ وهو قول الحنفية‏.‏ وحملوا الأمر في الحديث على الندب‏.‏ والنهي على التنزيه جمعاً بينه وبين الأحاديث الدالة على تحريم مال المسلم إلا برضاه انتهى‏.‏ ‏(‏منهم مالك بن أنس قالوا الخ‏)‏ وبه قال أبو حنيفة رحمه الله والكوفيون ‏(‏والقول الأول أصح‏)‏ لأحاديث الباب، وأما الأحاديث القاضية بأنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه‏.‏ فعمومات قال البيهقي‏:‏ لم نجد في السنن الصحيحة ما يعارض هذا الحكم إلا عمومات لا يستنكر أن يخصها‏.‏ وحمل بعضهم الحديث على ما إذا تقدم استئذان الجار‏.‏ كما وقع في رواية لأبي داود بلفظ‏:‏ إذا استأذن أحدكم أخاه‏.‏ وفي رواية لأحمد من سأله جاره وكذا في رواية لابن حبان، فإذا تقدم الاستئذان لم يكن للجار المنع لا إذا لم يتقدم‏.‏

913- باب ما جَاءَ أنّ الْيَمِينَ عَلَى مَا يُصَدّقُهُ صَاحِبُه

1352- حدثنا قُتَيْبَةُ وَ أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ ‏(‏المَعْنَى وَاحِدٌ‏)‏ قالاَ‏:‏ حدّثنَا هُشَيْمٌ عنْ عَبْدِ الله بنِ أبي صَالِحٍ، عنْ أبِيهِ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ، قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏الْيَمِينُ عَلَى مَا يُصَدّقُكَ بِهِ صَاحِبُكَ‏"‏‏.‏ وقال قتيبة ‏"‏على ما صدقك عليه صاحبك‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏ وعبدالله بن ابي صالح هو أخو سهيل بن أبي صالح لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حدِيثِ هُشَيْمٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ أبي صَالِحٍ‏.‏ والْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ العِلم‏.‏ وَبِهِ يَقولُ أحْمَدُ وَإِسْحَاقُ‏.‏ وَرُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النّخَعِيّ أنّهُ قالَ‏:‏ إذَا كَانَ المُسْتَحلِفُ ظَالماً، فَالنّيّةُ نِيّةُ الحَالِفِ‏.‏ وإِذَا كَانَ المُسْتَحْلِفُ مَظْلُوماً، فالنّيّةُ نيّةُ الّذِي اسْتَحْلَفَ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏المعنى واحد‏)‏ أي في لفظ قتيبة، وأحمد بن منيع اختلاف ومعنى حديثهما واحد ‏(‏اليمين‏)‏ أي الحلف مبتدأ خبره قوله‏:‏ ‏(‏على ما يصدقك به صاحبك‏)‏ قال القاري أي خصمك ومدعيك ومحاورك‏.‏ والمعنى أنه واقع عليه لا يؤثر فيه التورية فإن العبرة في اليمين بقصد المستحلف إن كان مستحقاً وإلا فالعبرة بقصد الحالف فله التورية‏.‏ قال هذا خلاصة كلام علمائنا من الشراح انتهى كلام القاري‏.‏ وقال النووي في شرح مسلم‏:‏ هذا الحديث محمول على الحلف باستحلاف القاضي، فإذا ادعى رجل على رجل فحلفه القاضي فحلف، وورى فنوى غير ما نوى القاضي‏.‏ انعقدت يميينه على ما نواه القاضي ولا ينفعه التورية‏.‏ وهذا مجمع عليه ودليله هذا الحديث والإجماع‏.‏ فأما إذا حلف بغير استحلاف القاضي وورى فتنفعه التورية‏.‏ ولا يحنث سواء حلف ابتداء من غير تحليف أو حلفه غير القاضي وغير نائبه في ذلك، ولا اعتبار بنية المستحلف غير القاضي واعلم أن التورية وإن كان لا يحنث بها فلا يجوز فعلها حيث يبطل بها حق مستحق‏.‏ وهذا مجمع عليه‏.‏ هذا تفصيل مذهب الشافعي وأصحابه انتهى كلامه مختصراً‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه مسلم وأحمد وأبو داود وابن ماجه، وفي رواية لمسلم‏:‏ اليمين على نية المستحلف‏.‏ وهو بكسر اللام‏.‏

914- باب ما جَاءَ في الطّرِيقِ إذَا اخْتُلِفَ فِيهِ، كَمْ يُجْعَلُ‏؟‏

1353- حدثنا أبُو كُرَيْبٍ‏.‏ حدّثنَا وَكِيعٌ عنْ المُثَنّى بنِ سَعِيدٍ الضّبَعِيّ، عن قَتَادَةَ عنْ بَشِيرِ بنِ نَهِيك، عنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏اجْعَلُوه الطّرِيقِ سَبْعَةَ أذْرُعٍ‏"‏‏.‏

1354- حدثنا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ‏.‏ حدّثنَا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ‏.‏ حدّثنَا الْمُثَنّى بنُ سَعِيدٍ عنْ قَتَادَةَ، عنْ بُشَيْر بنِ كَعْبٍ العَدَوِيّ، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إذَا تَشَاجَرْتُمْ في الطّرِيقِ فَاجْعَلُوه سَبْعَةَ أذْرُعٍ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى وهَذَا أصَحّ مِنْ حدِيثِ وَكِيعٍ‏.‏ قال وفي البابِ عنِ ابنِ عَبّاسٍ‏.‏

قال أبو عيسى حديثُ بُشَيْرِ بنِ كَعْبِ الْعَدَوِيّ عنْ أبي هُرَيْرَةَ، حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَرَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا عَنْ قَتَادَةَ، عنْ بَشِيرِ بنِ نَهيكٍ، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ‏.‏ وهُوَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن بشير بن نهيك‏)‏ بفتح النون وكسر الهاء وآخره كاف وبشير بفتح الموحدة ثقة من الثالثة قوله‏:‏ ‏(‏اجعلوا الطريق سبعة أذرع‏)‏ قال الحافظ‏:‏ الذي يظهر أن المراد بالذراع ذراع الاَدمي فيعتبر ذلك بالمعتدل، وقيل المراد بالذراع ذراع البنيان المتعارف‏.‏ قال الطبري‏:‏ معناه أن يجعل قدر الطريق المشتركة سبعة أذرع ثم بيقى بعد ذلك لكل واحد من الشركاء في الأرض قدر ما ينتفع به ولا يضر غيره‏.‏ والحكمة في جعلها سبعة أذرع لتسلكها الأحمال والأثقال دخولاً وخروجاً ولبيع ما لا بد لهم من طرحه عند الأبواب والتحق بأهل البنيان من قعد للبيع في حالة الطريق‏.‏ فإن كانت الطريق أزيد من سبعة أذرع لم يمنع من القعود في الزائد، وإن كان أقل منع لئلا يضيق الطريق على غيره انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏عن بشير بن كعب‏)‏ بضم الموحدة وفتح الشين مصغراً مخضرم وثقه النسائي‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏إذا تشاجرتم‏)‏ من المشاجرة بالمعجمة والجيم أي تنازعتم وفي رواية مسلم‏:‏ إذا اختلفتم قوله‏:‏ ‏(‏فاجعلوه سبعة أذرع‏)‏ قال النووي‏:‏ أما قدر الطريق فإن جعل الرجل بعض أرضه المملوكة طريقاً مسبلة للمارين فقدرها إلى خيرته، والأفضل توسيعها وليس هذه الصورة مرادة الحديث‏.‏ وإن كان الطريق بين أرض لقوم وأرادوا إحيائها فإن اتفقوا على شيء فذاك‏.‏ وإن اختلفوا في قدره جعل سبعة أذرع هذا مراد الحديث‏.‏ أما إذا وجدنا طريقاً مسلوكا وهو أكثر من سبعة أذرع فلا يجوز لأحد أن يستولي على شيء منه وإن قل‏.‏ لكن له عمارة ما حواليه من الموات ويملكه بالإحيار بحيث لا يضر المارين انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن عباس‏)‏ أخرجه عبد الرزاق مرفوعاً بلفظ‏:‏ إذا اختلفتم في الطريق الميتاء فاجعلوها سبعة أذرع‏.‏ وفي الباب عن عبادة بن الصامت‏.‏ أخرجه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند والطبراني‏.‏ وعن أنس‏:‏ أخرجه ابن عدي‏.‏ وفي كل من الأسانيد الثلاثة مقال، قاله الحافظ‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث بشير بن كعب عن أبي هريرة حديث حسن صحيح‏)‏ أخرجه الجماعة إلا النسائي‏.‏

915- باب ما جَاءَ في تَخْيِير الْغُلاَم بَيْنَ أبَوَيْهِ إذَا افْتَرَقَا

‏(‏باب ما جاء في تخيير الغلام بين أبويه إذا افترقا‏)‏ أي بالطلاق‏.‏

1355- حدثنا نَصْرُ بنُ عَلِي‏.‏ حَدّثنَا سُفْيَانُ عنْ زِيَادِ بنِ سَعْدٍ‏.‏ عنْ هِلاَلِ بنِ أبي مَيْمُونَةَ الثّعْلَبِيّ، عنْ أبي مَيْمُونَةَ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ، أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم خَيّرَ غُلاَماً بَيْنَ أبِيهِ وَأُمّهِ‏.‏ قال وفي البابِ عَنْ عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو، وجَدّ عَبْدِ الْحَمِيدِ بنِ جَعْفَرٍ‏.‏

قال أبو عيسى حَدِيثُ أبي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ‏.‏ وأبُو مَيْمُونَةَ اسْمُهُ سُلَيْمٌ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ العِلْمِ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرهِمْ‏.‏ قَالُوا‏:‏ يُخَيّرُ الْغُلاَمُ بَيْنَ أبَوَيْهِ إذَا وَقعَتْ بَيْنَهُمَا المُنَازَعة في الْوَلَدِ‏.‏ وَهُوَ قَوْلُ أحْمدَ وإسْحَاقَ‏.‏ وَقالاَ‏:‏ مَا كَانَ الْوَلَدُ صَغِيراً فَالأُمّ أحَقّ‏.‏ فإذَا بَلَغَ الْغُلاَمُ سَبْعَ سِنِينَ خُيّرَ بَيْنَ أبَوَيْهِ‏.‏ هِلاَلُ بنُ أبي مَيْمُونَةَ هُوَ هِلاَلُ بنُ عَلِيّ بنِ أُسَامَةَ‏.‏ وهُوَ مَدَنِيّ‏.‏ وقَدْ رَوَى عَنْهُ يَحْيَى بنُ أبي كَثِيرٍ، ومَالِكُ بنُ أنَسٍ، وفُلَيْحُ بنُ سُلَيْمَانَ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خير غلاماً‏)‏ قال القاري‏:‏ أي ولداً بلغ سن البلوغ، وتسميته غلاماً باعتبار ما كان كقوله تعالى ‏(‏وآتوا اليتامى أموالهم‏)‏ وقيل غلاماً مميزاً انتهى‏.‏ قلت الظاهر أن المراد الغلام المميز ‏(‏بين أبيه وأمه‏)‏ قال القاري وهو مذهب الشافعي‏.‏ وأما عندنا فالولد إذا صار مستغنياً بأن يأكل وحده ويشرب وحده ويلبس وحده قيل ويستنجي وحده فالأب أحق به‏.‏ والخصاف قدر الاستغناء بسبع سنين وعليه الفتوى‏.‏ قال ابن الهمام‏:‏ إذا بلغ الغلام السن الذي يكون الأب أحق به كسبع مثلاً أخذه الأب‏.‏ ولا يتوقف على اختيار الغلام ذلك‏.‏ وعند الشافعي‏:‏ يخير الغلام في سبع أو ثمان‏.‏ وعند أحمد وإسحاق‏:‏ يخير في سبع‏.‏ لهذا الحديث انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عبد الله بن عمرو‏)‏ أخرجه أحمد وأبو داود بلفظ‏:‏ أن امرأة قالت يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجرى له حواء‏.‏ وإن أباه طلقني، وأراد أن ينزعه مني‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أنت أحق به ما لم تنكحي‏"‏‏.‏ ورواه الحاكم وصححه ‏(‏وجد عبد الحميد بن جعفر‏)‏ أخرجه أبو داود في الطلاق، والنسائي في الفرائض عن عبد الحميد بن جعفر عن أبيه عن جده رافع بن سنان‏:‏ أنه أسلم وأبت امرأته أن تسلم فجاء بأبن له صغير لم يبلغ‏.‏ فأجلس النبي صلى الله عليه وسلم الأب ههنا والأم ههنا ثم خيره وقال‏:‏ اللهم اهده فذهب إلى أبيه‏.‏ رواه أحمد والنسائي‏.‏ وفي رواية عن عبد الحميد بن جعفر قال أخبرني أبي عن جدي رافع بن سنان أنه أسلم وأبت امرأته أن تسلم فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت ابنتي وهي فطيم أو شبههه‏.‏ وقال رافع ابنتي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ أقعد ناحية، وقال لها اقعدي ناحية، فأقعدت الصبية بينهما ثم قال ادعوها- فمالت إلى أمها- فقال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم اهدها فمالت إلى أبيها فأخذها‏.‏ رواه أحمد وأبو داود‏.‏ وعبد الحميد هذا هو عبد الحميد بن جعفر بن عبد الله بن رافع بن سنان الأنصارى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة وصححه ابن حبان وابن القطان‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وأبو ميمونة اسمه سليم‏)‏ بالتصغير قال في التقريب أبو ميمونة الفارسي المدني الأبار‏.‏ قيل اسمه سليم أو سليمان أو سلمى‏.‏ وقيل أسامة ثقة من الثالثة‏.‏ ومنهم من فرق بين الفارسي والأبار وكل منهما مدني يروي عن أبي هريرة‏.‏ وقال في تهذيب التهذيب وقيل إنه والد هلال ابن أبي ميمونة ولا يصح‏.‏ روى عن أبي هريرة وغيره وعنه هلال بن أبي ميمونة وغيره‏.‏ وذكر الحافظ أسماء من فرق بين الفارسي والأبار‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏والعمل على هذا عند بعض أهل العلم الخ‏)‏ قال الشوكاني في النيل تحت حديث الباب‏:‏ فيه دليل على أنه إذا تنازع الأب والأم في ابن لهما كان الواجب هو تخييره‏.‏ فمن اختاره ذهب به‏.‏ وقد أخرج البيهقي عن عمر‏:‏ أنه خير غلاماً بين أبيه وأمه‏.‏ وأخرج أيضاً عن علي أنه خير عمارة الجدامي بين أمه وعمته وكان ابن سبع أو ثمان سنين‏.‏ وقد ذهب إلى هذا الشافعي وأصحابه وإسحاق بن راهوبه، وقال أحب أن يكون مع الأم إلى سبع سنين ثم يخير وقيل إلى خمس‏.‏ وذهب أحمد إلى أن الصغير إلى دون سبع سنين أمه أولى به، وإن بلغ سبع سنين، فالذكر فيه ثلاث روايات‏:‏ يخير وهو المشهور عن أصحابه، وإن لم يختر أقرع بينهما‏.‏ والثانية- أن الأب أحق به‏.‏ والثالثة- أن الأب أحق بالذكر والأم بالأنثى إلى تسع ثم يكون الأب أحق بها‏.‏ والظاهر من أحاديث الباب أن التخيير في حق من بلغ من الأولاد إلى سن التمييز هو الواجب من غير فرق بين الذكر والأنثى انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وهلال بن أبي ميمونة هو هلال بن علي ابن أسامة وهو مدني‏)‏ قال في تهذيب التهذيب‏:‏ ويقال هلال بن أبي ميمونة وهلال بن أبي هلال العامري مولاهم المدني وبعضهم نسبة إلى جده فقال ابن أسامة وقال في التقريب ثقة من الخامسة‏.‏

916- باب ما جَاءَ أَنّ الْوَالِدَ يَأَخُذُ مِنْ مَالِ وَلَدِه

1356- حدثنا أحْمَدُ بنُ مَنيعٍ‏.‏ حَدّثنَا يَحْيَى بنُ زَكَرِيّا بنِ أبي زَائِدَةَ‏.‏ حَدّثَنَا الأعْمَشُ عنْ عُمَارَةَ بنِ عُمَيْرٍ، عنْ عَمّتِهِ، عنْ عَائِشَةَ، قالَتْ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إنّ أطْيَبَ مَا أكْلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ‏.‏ وإنّ أوْلاَدَكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ‏"‏‏.‏ قال وفي البابِ عنْ جَابِرٍ وعَبْدِ الله بنِ عَمَرٍو‏.‏ قال أبو عيسى هذا حديثٌ حَسنٌ صحيح‏.‏ وقَدْ رَوَى بَعَضُهُمْ هَذَا عَنْ عُمَارَةَ بنِ عُمَيْرٍ، عنْ أُمّهِ، عنْ عَائِشَةَ وَأَكْثَرُهُمْ قَالُوا عنْ عَمّتِهِ عنْ عَائِشَةَ والْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ العِلمِ مِنْ أصْحابِ النبي صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهِمْ‏.‏ قَالُوا‏:‏ إنّ يَدَ الْوَالدِ مَبْسُوطَةٌ في مَالِ وَلَدِهِ يأْخُذُ مَا شَاءَ‏.‏

وَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ لاَ يَأْخُذُ مِنْ مَالِهِ إلاّ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عمارة‏)‏ بضم المهملة وخفة الميم المفتوحة ‏(‏بن عمير‏)‏ بالتصغير التيمي كوفي ثقة ثبت من الرابعة ‏(‏عن عمته‏)‏ لا تعرف قال ابن حبان وسيأتي كلامه ‏(‏إن أطيب ما أكلتم‏)‏ أي أحله وأهنأه ‏(‏من كسبكم‏)‏ أي مما كسبتموه من غير واسطة لقربه للتوكل وكذا بواسطة أولادكم كما بينه بقوله‏:‏ ‏(‏وإن أولادكم من كسبكم‏)‏ لأن ولد الرجل بعضه وحكم بعضه حكم نفسه، وسمي الولد كسباً مجازاً‏.‏ قاله المناوي‏:‏ وفي رواية عند أحمد أن ولد الرجل من أطيب كسبه فكلوا من أموالهم هنيئاً‏.‏ وفي حديث جابر‏:‏ أنت ومالك لأبيك‏.‏ قال ابن رسلان‏:‏ اللام للإباحة لا للتمليك، لأن مال الولد له وزكاته عليه وهو موروث عنه انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن جابر وعبد الله بن عمرو‏)‏ أما حديث جابر فأخرجه عنه ابن ماجه بلفظ‏:‏ أن رجلاً قال يا رسول الله إن لي مالاً وولداً وإن أبي يريد أن يجتاج مالي فقال‏:‏ ‏"‏أنت ومالك لأبيك‏"‏‏.‏ قال ابن القطان‏:‏ إسناده صحيح‏.‏ وقال المنذري‏:‏ رجاله ثقات‏.‏ وقال الدارقطني‏:‏ تفرد به عيسى بن يونس بن أبي إسحاق كذا في النيل‏.‏ وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أحمد وأبو داود بلفظ‏:‏ أن أعرابياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ إن أبي يريد أن يجتاج مالي‏.‏ فقال‏:‏ ‏"‏أنت ومالك لوالدك‏"‏‏.‏ الحديث‏.‏ وأخرجه أيضاً ابن خزيمة وابن الجارود‏.‏ وفي الباب أيضاً عن سمرة عند البزار وعن عمر عند البزار أيضاً وعن ابن مسعود عند الطبراني وعن ابن عمر عند أبي يعلى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ أخرجه الخمسة كذا في المنتقى‏.‏ وقال الشوكاني‏:‏ أخرجه أيضاً ابن حبان في صحيحه والحاكم ولفظ أحمد ‏(‏يعني لفظه الذي ذكرناه‏)‏ أخرجه أيضاً الحاكم وصححه أبو حاتم وأبو زرعة وأعله ابن القطان بأنه عن عمارة عن عمته، وتارة عن امه وكلتاهما لا يعرفان انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏قالوا إن يد الوالد مبسوطة في مال ولده يأخذه ما شاء‏)‏ واستدلوا على ذلك بأحاديث الباب‏.‏ قال الشوكاني‏:‏ وبمجموع هذه الطرق ينتهض للاحتجاج‏.‏ فيدل على أن الرجل مشارك لولده في ماله فيجوز له الأكل منه سواء أذن الولد أو لم يأذن‏.‏ ويجوز له أيضاً أن يتصرف به كما يتصرف بماله ما لم يكن ذلك على وجه السرف والسفه‏.‏ وقد حكى في البحر الإجماع على أنه يجب على الولد الموسر مؤنة الأبوين المعسرين انتهى‏.‏ ‏(‏وقال بعضهم لا يأخذ من ماله إلا عند الحاجة إليه‏)‏ قال ابن الهمام بعد ذكر حديث عائشة المذكور‏:‏ فإن قيل هذا يقتضي أنه له ملكاً ناجزاً في ماله‏.‏ قلنا نعم لو لم يقيده حديث رواه الحاكم وصححه، والبيهقي عنها مرفوعاً‏:‏ إن أولادكم هبة يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور‏.‏ وأموالهم لكم إذا احتجتم إليها‏.‏ ومما يقع بأن الحديث يعني أنت ومالك لأبيك ما أول أنه تعالى ورث الأب من ابنه السدس مع ولد ولده، فلو كان الكل ملكه لم يكن لغيره شيء مع وجوده انتهى‏.‏ قلت‏:‏ قال الحافظ في التلخيص‏:‏ قال أبو داود في هذه الزيادة وهي‏:‏ إذا احتجتم إليها إنها منكرة ونقل عن ابن المبارك عن سفيان قال حدثنا به حماد ووهم فيه انتهى‏.‏

917- باب ما جَاءَ فيمنْ يُكْسَرُ لهُ الشّيْءُ، مَا يُحْكَمُ لَهُ مِنْ مَالِ الْكاسِر

1357- حدثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ‏.‏ حَدّثَنَا أبُو دَاوُدَ الْحَفْرِيّ عنْ سُفْيَانَ الثوري، عنْ حُمَيْدٍ، عنْ أنَسٍ قالَ أهْدَتْ بَعْضُ أزْوَاجِ النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم طَعَاماً في قَصْعَةٍ‏.‏ فَضَرَبَتْ عَائِشَةُ الْقَصْعَةَ بِيَدِها‏.‏ فأَلْقَتْ مَا فِيها‏.‏ فَقالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏طَعامٌ بِطعامٍ، وَإِنَاءٌ بإنَاءٍ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

1358- حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ‏.‏ أخبرنا سُوَيْدُ بنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عنْ حَميْدٍ، عنْ أنَسٍ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم اسْتَعَارَ قَصْعَةً فَضَاعَتْ فَضَمِنَها لَهُمْ‏.‏

قال أبو عيسى وَهذا حديثٌ غَيْرُ مَحْفُوظٍ‏.‏ وَإِنمَا أرَادَ- عِنْدِي سُوَيْدٌ- الحَدِيثَ الّذِي رَوَاهُ الثّوْرِيّ‏.‏ وَحَدِيثُ الثّوْرِيّ أصَحّ اسمه ابن داود عمر بن سعد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبو داود الحفري‏)‏ بفتح المهملة والفاء نسبة إلى موضع بالكوفة ثقة عابد من التاسعة ‏(‏أهدت بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ هي زينب بنت جحش كما رواه ابن حزم في المحلي عن أنس، ووقع قريب من ذلك لعائشة مع أم سلمة كما رواه النسائي عنها، وبعض الروايات تدل على أنها حفصة وبعضها تدل على أنها أم سلمة، وبعضها تدل على أنها صفية‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وتحرر من ذلك أن المراد بمن أبهم في حديث الباب هي زينب لمجيء الحديث من مخرجه، وهو حميد عن أنس وما عدا ذلك فقصص أخرى، لا يليق بمن تحقق أن يقول في مثل هذا قيل المراسلة فلانة وقيل فلانة من غير تحرير انتهى‏.‏ ‏(‏بقصعة‏)‏ بوزن صحفة وبمعناه ‏(‏طعام بطعام وإناء بإناء‏)‏ فيه دليل أن القيمي يضمن بمثله ولا يضمن بالقيمة إلا عند عدم المثل‏.‏ ويؤيده رواية البخاري بلفظ‏:‏ ودفع القصعة الصحيحة للرسول‏.‏ وبه احتج الشافعي والكوفيون وقال مالك‏:‏ إن القيمي يضمن بقيمته مطلقاً‏.‏ وفي رواية عنه كالمذهب الأول وفي رواية عنه أخرى ما صنعه الاَدمى فالمثل وأما الحيوان فالقيمة‏.‏ وعنه أيضاً ما كان مكيلاً أو موزوناً فالقيمة وإلا فالمثل‏.‏ قال في الفتح‏:‏ وهو المشهور عندهم ولا خلاف في أن المثلي يضمن بمثله‏.‏ وأجاب القائلون بالقول الثاني عن حديث الباب وما في معناه بما حكاه البيهقي من أن القصعتين كانتا للنبي صلى الله عليه وسلم في بيتي زوجتيه فعاقب الكاسرة بجعل القصعة المكسورة في بيتها، وجعل الصحيحة في بيت صاحبتها، ولم يكن هناك تضمين‏.‏ وتعقب بما وقع في رواية لابن أبي حاتم بلفظ‏:‏ من كسر شيئاً فهو له وعليه مثله‏.‏ وبهذا يرد على من زعم أنها واقعة عين لا عموم لها‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرج معناه الجماعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سويد بن عبد العزيز‏)‏ السلمى مولاهم الدمشقى قاضي بعلبك أصله واسطى تزل حمص لين الحديث ‏(‏استعار قصعة‏)‏ بفتح القاف وسكون الصاد قال في القصعة الصحفة وقال في الصراح كاسه بزرك ‏(‏وهذا حديث غير محفوظ وإنما أراد عندى سويد‏)‏ هو ابن عبد العزيز ‏(‏الحديث الذي رواه الثوري‏)‏ يعني أن سويد بن عبد العزيز قد وهم في رواية حديث أنس المذكور فرواه عن حميد عن أنس بلفظ‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم استعار قصعة الخ فهو غير محفوظ‏.‏ والمحفوظ هو ما رواه سفيان الثوري عن حميد عن أنس بلفظ‏:‏ أهدت بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم الخ‏.‏

918- باب ما جَاء في حَدّ بُلوغِ الرّجُلِ والْمَرأَة

1359- حدثنا مُحَمّدُ بنُ وَزِيرٍ الْوَاسِطِيّ‏.‏ حدّثَنَا إسْحَاقُ بنُ يُوسُفَ الأزْرَقُ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قالَ‏:‏ عُرِضْتُ عَلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جَيْشٍ وَأَنَا ابنُ أرْبَعَ عَشْرَةَ فلمْ يَقْبَلْنِي‏.‏ فعُرِضْتُ عَلَيْهِ مِنْ قَابِل في جَيْش وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ فَقَبِلَنِي‏.‏ قالَ نَافِعٌ‏:‏ وَحَدّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقَالَ‏:‏ هَذَا حَدّ مَا بَيْنَ الصّغِيرِ وَالْكَبِيرِ‏.‏ ثُمّ كَتَبَ أنْ يُفْرَضَ لِمَنْ يَبْلُغُ الْخَمْسَ عَشْرَةَ‏.‏ حَدّثَنَا ابْنُ أبي عُمَرَ‏.‏ حَدّثنَا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عُبَيْدِ الله بنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عنِ ابنِ عُمَرَ، عَنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، نَحْوَ هذا‏.‏ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ ‏(‏أنّ عُمَرَ بنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ أنّ هَذَا حَدّ مَا بَيْنَ الصّغِيرِ وَالْكَبِيرِ‏)‏‏.‏ وَذَكَرَ ابْنُ عُيَيْنَةَ في حَدِيثهِ‏.‏ قال فحَدّثْنا بِهِ عُمَرَ بنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ‏.‏ فقَالَ‏:‏ هَذَا حَدّ مَا بَيْنَ الذّرّيّةِ وَالمُقَاتَلَةِ‏.‏ قال أبو عيسى هذا حديثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ‏.‏ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أهْلِ العِلمِ، وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثّوْرِيّ وابْنُ المُبَارَكِ والشّافِعيّ وأحْمَدُ وَإسْحَاقُ‏.‏ يَرَوْنَ أنّ الْغُلاَمَ إذَا اسْتَكْمَلَ خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَة، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الرّجَالِ‏.‏ وإنِ احْتَلَمَ قَبْلَ خَمْسَ عَشْرَةَ فحكْمُهُ حُكْمُ الرّجَالِ‏.‏ وَقَالَ أحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، الْبُلُوغُ ثَلاَثَةُ مَنَازِلَ‏:‏ بُلُوغُ خَمْسَ عَشْرَةَ، أوْ الاحْتِلاَمُ، فإنْ لَمْ يُعْرَفْ سِنّه وَلا احْتلامُهُ فالإنْبَاتُ ‏(‏يَعْنِي الْعَانَةَ‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عرضت‏)‏ بصيغة المجهول أي للذهاب إلى الغزو ‏(‏على رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ من باب عرض العسكر على الأمير ‏(‏في جيش‏)‏ أي في واقعة أحد وكانت في السنة الثالثة من الهجرة ‏(‏وأنا ابن أربع عشرة‏)‏ جملة حالية ‏(‏فلم يقبلني‏)‏ وفي رواية للشيخين فلم يجزني‏.‏ وزاد البيهقي وابن حبان في صحيحه بعد قوله فلم يجزني ولم يرني بلغت ‏(‏فعرضت عليه من قابل في جيش‏)‏ يعني غزوة الخندق وهو غزوة الأحزاب ‏(‏فقبلني‏)‏ وفي رواية للشيخين فأجازني أي في المقاتلة أو المبايعة وقيل كتب الجائزة لي وهو رزق‏.‏ وزاد البيهقي وابن حبان بعد قوله‏:‏ فأجازني ورآني بلغت‏.‏ وقد صحح هذه الزيادة أيضاً ابن خزيمة كذا في النيل‏:‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حد ما بين الذرية والمقاتلة‏)‏ بكسر التاء يريد إذا بلغ الصبي خمس عشرة سنة دخل في زمرة المقاتلين وأثبت في الديوان اسمه، وإذا لم يبلغها عدمن الذرية قال الحافظ في الفتح‏:‏ استدل بقصة ابن عمر على أن من استكمل خمس عشرة سنة أجربت عليه أحكام البالغين وإن لم يحتلم فيكلف بالعبادات وإقامة الحدود، ويستحق سهم الغنيمة، ويقتل إن كان حربياً، ويفك عنه الحجر إن أونس رشده، وغير ذلك من الأحكام‏.‏ وقد عمل بذلك عمر بن عبد العزيز وأقره عليه راويه نافع‏.‏ وأجاب الطحاوي وابن القصار وغيرهما ممن لم يأخذ به بأن الإجازة المذكورة جاء التصريح بأنها كانت في القتال‏.‏ وذلك يتعلق بالقوة والجلد‏.‏ وأجاب بعض المالكية بأنها واقعة عين فلا عموم لها، ويحتمل أن يكون صادف أنه كان عند تلك السن قد احتلم فلذلك أجازه‏.‏ وتجاسر بعضهم فقال إنما رده بضعفه لا لسنه‏.‏ وإنما أجازه لقوته لا لبلوغه‏.‏ ويرد على ذلك ما أخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج ورواه أبو عوانة وابن حبان في صحيحهما من وجه آخر عن ابن جريج أخبرني نافع فذكر هذا الحديث بلفظ‏:‏ عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق فلم يجزني ولم يرني بلغت‏.‏ وهي زيادة صحيحة لا مطعن فيه لجلالة ابن جريج وتقدمه على غيره في حديث نافع‏.‏ وقد صرح فيها بالتحديث فانتفى ما يخشى من تدليسه‏.‏ وقد نص فيها لفظ ابن عمر لقوله‏:‏ ولم يرني بلغت وابن عمر أعلم بما روى من غيره ولا سيما في قصة تتعلق به انتهى كلام الحافظ‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏والعمل على هذا عند أهل العلم الخ‏)‏ قال في شرح السنة العمل على هذا عند أكثر أهل العلم‏.‏ قالوا‏:‏ إذا استكمل الغلام أو الجارية خمس عشرة سنة كان بالغاً‏.‏ وبه قال الشافعي وأحمد وغيرهما‏.‏ وإذا احتلم واحد منهما قبل بلوغه هذا المبلغ بعد استكمال تسع سنين يحكم ببلوغه‏.‏ وكذلك إذا حاضت الجارية بعد تسع ولا حيض ولا احتلام قبل بلوغ التسع انتهى‏.‏ وقال في الهداية‏:‏ بلوغ الغلام بالاحتلام والإحبال والإنزال إذا وطئ‏.‏ فإن لم يوجد فحتى يتم له ثمان عشرة سنة وبلوغ الجارية بالحيض والاحتلام والحبل، فإن لم يوجد ذلك فحتى يتم لها سبع عشرة سنة‏.‏ وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله‏.‏ وقالا إذا تم للغلام والجارية خمس عشرة فقد بلغا‏.‏ وهو رواية عن أبي حنيفة رحمه الله، وهو قول الشافعي انتهى‏.‏ قلت‏:‏ ما ذهب إليه أكثر أهل العلم من أن الغلام أو الجارية إذا استكمل خمس عشرة سنة كان بالغاً هو الراجح الموافق لحديث الباب قوله‏:‏ ‏(‏فالإنبات يعني العانة‏)‏ يريد إنبات شعر العانة وقد أخرج الشيخان من حديث أبي سعيد بلفظ‏:‏ فكان يكشف عن مونزر المراهقين فمن أنبت منهم قتل، ومن لم ينبت جعل في الذراري وفي الإنبات أحاديث أخرى مذكوره في النيل‏.‏ وقد استدل بحديث أبي سعيد هذا وما في معناه أن الإنبات من علامات البلوغ‏.‏ قال الشوكاني‏:‏ استدل بهذا الحديث من قال إن الإنبات من علامات البلوغ‏.‏ وتعقب بأن قتل من أنبت ليس لأجل التكليف بل لدفع ضرره لكونه مظنة للضرر كقتل الحية ونحوها‏.‏ ورد هذا التعقب بأن القتل لمن كان كذلك ليس إلا لأجل الكفر، لا لدفع الضرر لحديث أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وطلب الإيمان وإزالة المانع منه فرع التكليف ويؤيد هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغزوا إلى البلاد البعيدة كتبوك، ويأمر يغزو أهل الأقطار النائية مع كون الضرر ممن كان كذلك مأموناً، وكون قتال الكفار لكفرهم هو مذهب طائفة من أهل العلم‏.‏ وذهبت طائفة أخرى إلى أن قتالهم لدفع الضرر والقول بهذه المقالة هو منشأ ذلك التعقب‏.‏ ومن القائلين بهذا شيخ الإسلام ابن تيمية حفيد المصنف يعني مصنف المنتقى‏.‏ وله في ذلك رسالة انتهى كلام الشوكاني‏.‏